والصواب أيضاً أن كونهم أسباطاً إنما سُموا به من عهد موسى للآية المتقدمة، ومن حينئذٍ كانت فيهم النبوة؛ فإنه لا يُعرف أنه كان فيهم نبي قبل موسى إلا يوسف، ومما يؤيد هذا أن الله -تعالى- لما ذكر الأنبياء من ذرية إبراهيم قال: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ} الآيات فذكر يوسف ومن معه، ولم يذكر الأسباط، فلو كان إخوة يوسف نبئوا كما نبئ يوسف لذكروا معه. وأيضاً فإن الله يذكر عن الأنبياء من المحامد والثناء ما يناسب النبوة، وإن كان قبل النبوة كما قال عن موسى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ} الآية، وقال في يوسف كذلك، وفي الحديث: "أكرم الناس يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم نبي من نبي من نبي" فلو كانت إخوته أنبياء كانوا قد شاركوه في هذا الكرم. وهو تعالى لما قص قصة يوسف وما فعلوا معه ذكر اعترافهم بالخطيئة وطلبهم الاستغفار من أبيهم، ولم يذكر من فضلهم ما يناسب النبوة ولا شيئًا من خصائص الأنبياء، بل ولا ذكر عنهم توبة باهرة كما ذكر عن ذنبه دون ذنبهم، بل إنما حكى عنهم الاعتراف وطلب الاستغفار، ولا ذكر سبحانه عن أحد من الأنبياء لا قبل النبوة ولا بعدها أنه فعل مثل هذه الأمور العظيمة: من عقوق الوالد وقطيعة الرحم، وإرقاق المسلم، وبيعه إلى بلاد الكفر، والكذب البين، وغير ذلك مما حكاه عنهم، ولم يحك عنهم شيئًا يناسب الاصطفاء والاختصاص الموجب لنبوتهم، بل الذي حكاه يخالف ذلك، بخلاف ما حكاه عن يوسف. ثم إن القرآن يدل على أنه لم يأت أهل مصر نبي قبل موسى سوى يوسف لآية غافر، ولو كان من إخوة يوسف نبي لكان قد دعا أهل مصر، وظهرت أخبار نبوته، فلما لم يكن ذلك عُلم أنه لم يكن منهم نبي، فهذه وجوه متعددة يقوي بعضها بعضًا. وقد ذكر أهل السير أن إخوة يوسف كلهم ماتوا بمصر، وهو أيضاً، وأوصى بنقله إلى الشام فنقله موسى، والحاصل أن الغلط في دعوى نبوتهم حصل من ظن أنهم هم =