بثيابنا إليه نحذره من الأسد فما سمعنا، وأوتر قوسه وطرح فيه نشابة ومشى، فرآه الأسد فوثب إليه فضربهما أخطاء قلبه فقتله، ومشى إليه فتمم قتله، وأخذ نشابته وجاء إلى ذلك النهر ونزع زربوله وقلع ثيابه ونزل اغتسل في الماء، ثم طلع لبس ثيابه ونحن نراه، وجعل ينفض شعره لينشفه من الماء، ثم لبس فردة زربوله واتكى على جنبه وطول في الاتكاء، فقلنا والله ما قصر، ولكن على من يتيه؟ ونزلنا إليه وهو على حاله فوجدناه ميتاً ما ندري ما أصابه، فنزعنا فردة الزربول من رجله وإذا فيه عقرب صغير قد لسعته في إبهامه فمات لوقته، فعجبنا من ذلك الجبار الذي قتل الأسد وقتلته عقرب مثل الإصبع، فسبحان الله القادر النافذ المشيئة في الخلق.
قلتقاتلت السباع في عدة مواقف لا احصيها، وقتلت عدة منها ما شاركني في قتلها أحد سوى ما شاركني فيه غيري. فمن ذلك أن الأسد مثل سواه من البهائم يخاف ابن أدم ويهرب منه وفيه غفلة وبله ما لم يجرح فحينئذ هو الأسد، وذلك الوقت يخاف منه وإذا خرج من غاب أو جمة وحمل على الخيل فلا بدله من الرجوع إلى الأجمة التي خرج منها، ولو أن النيران في طريقه. وكنت أنا قد عرفت هذا بالتجربة، فمتى حمل على الخيل وقفت في طريق رجوعه قبل أن يجرح، فإذا رجع تركته إلى أن يتجاوزني وطعنته قتلته.