وأمر بإحراق البرقية لأنها مجمع دور الأجناد، فتلطفت الأمر معه وقلت " يا مولاي، إذا وقعت النار أحرقت ما تريد ولا ما تريد، وبلعت عن أن تطفئها " وردد رأيه عن ذلك. وأخذت الأمان للأمير المؤتمن بن أبي رماده بعد أن أمر بتلافه واعتذرت عنه، فصفح عن جرمه.
[عباس يفر إلى الشام]
ثم سكنت تلك الفتنة، وقد أرتاع منها عباس وتحقق عداوة الجند والأمراء وأنه لا مقام له بينهم، وثبت في نفسه الخروج من مصر وقصد الشام إلى الملك العادل نور الدين رحمه الله يستنجد به، والرسل بين من في القصور وبين ابن رزيك مترددة، وكان بيني وبينه رحمه الله مودة ومخالطة من حين دخلت ديار مصر فنفذ إلى رسولاَ يقول لي عباس ما يقدر على المقام بمصر، بل هو يخرج منها إلى الشام وأنا أملك البلاد، وأنت تعرف ما بيني وبينك، فلا تخرج معه فهو بحاجته إليك في الشام يرغبك ويخرجك معه، فالله الله لا تصحبه، فأنت شريكي في كل خير أناله. فكان الشياطين وسوست لعباس بذلك أو توهمه لما يعلمه بيني وبين ابن زريك من المودة. فأما الفتنة التي خرج فيها عباس من مصر وقتله الإفرنج فانه لما توهم من أمري وأمر ابن رزيك ما توهمه أو بلغه، أحضرني واستحلفني بالإيمان الغلظة التي لا مخرج منها إنني أخرج معه وأصحبه، ولم يقنعه ذلك حتى نفذ في الليل أستاذ داره الذي يدخل على حرمه، أخذ أهلي ووالدتي وأولادي إلى داره، وقال لي أنا احمل كلفتهم عنك في الطريق واحملهم مع والدة ناصر الدين.