ومن عجائب السلامة إذا جرى بها القدر وسبقت بها المشيئة أن الأمير فخر الدين قرا أرسلان بن سقمان بن أرتق رحمه الله، عمل على مدينة آمد عدة مرار وأنا بخدمته، ولا يبلغ منها مقصوده. وكان أخر ما عمل عليها ان أمير من الأكراد كان مديوناً بآمد رسالة ومعه جماعة من أصحابه وقرر الأمر ان يصله العساكر في ليلة تواعدوا إليها ويطلعهم بالحبال ويملك آمد. فعول فخر الدين في ذلك المهم على خادم له إفرنجي يقال له ياروق والعسكر كله يمقته ويكرهه لسوء أخلاقه، فركب في بعض العسكر وتقدم، وركب باقي الأمراء فتبعوه وتوان هو في السير فسبقه الأمراء إلى آمد، فأشرف عليهم ذلك الأمير الكردي وأصحابه من بروج ودلوا إليهم الحبال وقالوااطلعوا - ما طلع منهم أحد. فنزلوا كسروا أقفال باب المدينة وقالوا أدخلوا - ما دخلوا. كل ذلك لأعتماد فخر الدين على صبي جاهل في هذا المهم العظيم دون الأمراء الكبار. وعلم بذلك الأمير كمال الدين علي بن نيسان والبلدية والجند ففرغوا إليهم فقتلوا بعضهم ورمى بعضهم نفسه وقبضوا بعضهم. ومد بعض الذين رموا نفوسهم وهو نازل بالهواء، يده كأنه يريد شيء يتمسك به، فوقع في يده حبل من تلك الحبال التي دلوها أول الليل وما طلعوا فيها فتعلق بها ونجا دون أصحابه إلا أن كفيه انسلختا من الحبل، هذا وأنا حاضر.