للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رحمه الله من اتباعهم وقالهذه مكيدة والإغارة تكون بالليل. وخرج من البلد رجالة خلفهم ما علمنا بهم. فوقع الإفرنج ببعضهم عند رجوعهم، قتلوا وسلم بعضهم. واصبحت أنا واقفاً في بندر قنين قرية عند المدينة فرأيت ثلاثة شخوص مقبلة أما إثنان كالناس، أما الأوسط فما وجهه كوجه الناس. فلما دنوا منا فأما الوسطاني منه قد ضربه إفرنجي بسيف في وسط انفه قطع وجهه إلى أذنيه، وقد استرخى نصف وجهه وصار على صدره. وبين النصفين من وجهه فتح قريب من شبر وهو يمشي بين رجلين، فدخل البلد فخاط الجراحي وجهه وداواه، فالتحم ذلك الجرح وعوفي وعاد إلى ما كان عليه إلى ان مات على فراشه، كان يبيع الدواب ويسمى ابن غازي المشطوب، وإنما سمي بالمشطوب بتلك الضربة. فلا يظن ظان ان الموت يقدمه ركوب المخاطر، ولا يأخره شدة حرر، ففي بقائي أوضح معتبر، فكم لقيت من الأهوال وتقحمت المخاوف والأخطار ولاقيت الفرسان وقتلت الأسود وضربت بالسيوف وطعنت بالرماح وجرحت بالسهام والجروح وأنا من الأجل في حصن حصين - إلى ان بلغت تمام التسعين، فرأيت الصحة والبقاء، كما قال صلى الله عليه وسلمكفى بالصحة داء. فأعقبت النجاة من تلك الأهوال، ما هو أصعب من القتل والقتال. وكان الهلاك في كنه الجيش اسهل من تكاليف العيش، استرجعت مني الأيام بطول الحياة سائر محبوب اللذات، وشاب كدر النكد صفو العيش الرغد فأنا كما قلت

مع الثمانين عاث الدهر في جلدي ... وساءني ضعف رجلي واضطراب يدي

فاعجب لضعف جد مضطرب ... كخط مرتعش الكفين مرتعد

فاعجب لضعف يدي عن حملها قلماً ... من بعد حطم القنا في لبة الأسد

وإن مشيت وفي كفي العصا ثقلت ... رجلي كأني أخوض الوحل في الجلد

<<  <   >  >>