وَكَوْنُ الشَّارِعِ يَسْتَحْسِنُهَا دَلِيلٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّتِهَا، إِذْ لَوْ قَالَ الشَّارِعُ: الْمُحْدَثَةُ الْفُلَانِيَّةُ حَسَنَةٌ; لَصَارَتْ مَشْرُوعَةً; كَمَا أَشَارُوا إِلَيْهِ فِي الِاسْتِحْسَانِ حَسْبَمَا يَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَلَمَّا ثَبَتَ ذَمُّهَا، ثَبَتَ ذَمُّ صَاحِبِهَا; لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَذْمُومَةٍ مِنْ حَيْثُ تَصَوُّرِهَا فَقَطْ، بَلْ مِنْ حَيْثُ اتَّصَفَ بِهَا الْمُتَّصِفُ، فَهُوَ إذًا الْمَذْمُومُ عَلَى الْحَقِيقَةِ، وَالذَّمُّ خَاصُّ التَّأْثِيمِ، فَالْمُبْتَدِعُ مَذْمُومٌ آثِمٌ، وَذَلِكَ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْعُمُومِ.
وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْأَدِلَّةَ الْمَذْكُورَةَ; إِنْ جَاءَتْ فِيهِمْ نَصًّا; فَظَاهِرٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: ١٥٩]، وَقَوْلِهِ: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ} [آل عمران: ١٠٥] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، وَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «فَلَيُذَادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي». . . . الْحَدِيثَ، إِلَى سَائِرِ مَا نُصَّ فِيهِ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ نَصًّا فِي الْبِدْعَةِ; فَرَاجِعَةُ الْمَعْنَى إِلَى الْمُبْتَدِعِ مِنْ غَيْرِ إِشْكَالٍ، وَإِذَا رَجَعَ الْجَمِيعُ إِلَى ذَمِّهِمْ، رَجَعَ الْجَمِيعُ إِلَى تَأْثِيمِهِمْ.
وَالثَّانِي: أَنَّ الشَّرْعَ قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْهَوَى هُوَ الْمُتَّبَعُ الْأَوَّلُ فِي الْبِدَعِ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ السَّابِقُ فِي حَقِّهِمْ، وَدَلِيلُ الشَّرْعِ كَالتَّبَعِ فِي حَقِّهِمْ، وَلِذَلِكَ تَجِدُهُمْ يَتَأَوَّلُونَ كُلَّ دَلِيلٍ خَالَفَ هَوَاهُمْ، وَيَتَّبِعُونَ كُلَّ شُبْهَةٍ وَافَقَتْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute