للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَوْلُ عَلِيٍّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ: فَإِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ فَاعِلِينَ فَبِالْأَمْوَاتِ نُكْتَةٌ فِي الْمَوْضِعِ.

يَعْنِي الصَّحَابَةَ، وَمَنْ جَرَى مَجْرَاهُمْ مِمَّنْ يُؤْخَذُ بِقَوْلِهِ وَيُعْتَمَدُ عَلَى فَتْوَاهُ. وَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِمَّنْ لَمْ يَحُلَّ ذَلِكَ الْمَحَلَّ فَلَا. كَأَنْ يَرَى الْإِنْسَانُ رَجُلًا يَحْسُنُ اعْتِقَادُهُ فِيهِ يَفْعَلُ فِعْلًا مُحْتَمَلًا أَنْ يَكُونَ مَشْرُوعًا أَوْ غَيْرَ مَشْرُوعٍ فَيَقْتَدِي بِهِ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَيَعْتَمِدُ عَلَيْهِ فِي التَّعَبُّدِ. وَيَجْعَلُهُ حُجَّةً فِي دِينِ اللَّهِ، فَهَذَا هُوَ الضَّلَالُ بِعَيْنِهِ. وَمَا لَمْ يُتَثَبَّتْ بِالسُّؤَالِ وَالْبَحْثِ عَنْ حُكْمِ الْفِعْلِ مِمَّنْ هُوَ أَهْلُ الْفَتْوَى.

وَهَذَا الْوَجْهُ هُوَ الَّذِي مَالَ بِأَكْثَرِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ عَوَامِّ الْمُبْتَدِعَةِ، إِذَا اتَّفَقَ أَنْ يَنْضَافَ إِلَى شَيْخٍ جَاهِلٍ أَوْ لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ الْعُلَمَاءِ، فَيَرَاهُ يَعْمَلُ عَمَلًا فَيَظُنُّهُ عِبَادَةً فَيَقْتَدِي بِهِ. كَائِنًا مَا كَانَ ذَلِكَ الْعَمَلُ. مُوَافِقًا لِلشَّرْعِ أَوْ مُخَالِفًا. وَيَحْتَجُّ بِهِ عَلَى مَنْ يُرْشِدُهُ وَيَقُولُ: كَانَ الشَّيْخُ فُلَانٌ مِنَ الْأَوْلِيَاءِ وَكَانَ يَفْعَلُهُ وَهُوَ أَوْلَى أَنْ يُقْتَدَى بِهِ مِنْ عُلَمَاءِ أَهْلِ الظَّاهِرِ. فَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ رَاجِعٌ إِلَى تَقْلِيدِ مَنْ حَسُنَ ظَنُّهُ فِيهِ أَخْطَأَ أَوْ أَصَابَ. كَالَّذِينِ قَلَّدُوا آبَاءَهُمْ سَوَاءً. وَإِنَّمَا قُصَارَى هَؤُلَاءِ أَنْ يَقُولُوا: إِنَّ آبَاءَنَا أَوْ شُيُوخَنَا لَمْ يَكُونُوا يَنْتَحِلُونَ مِثْلَ هَذِهِ الْأُمُورِ سُدًى.

وَمَا هِيَ إِلَّا مَقْصُودَةٌ بِالدَّلَائِلِ وَالْبَرَاهِينِ مَعَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ وَيَرَوْنَ أَنْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهَا. وَلَا بُرْهَانَ يَقُودُ إِلَى الْقَوْلِ بِهَا.

[فَصْلُ أَسْبَابِ الْخِلَافِ رَاجِعَةٌ إِلَى الْجَهْلِ بِمَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ وَالتَّخَرُّصِ عَلَى مَعَانِيهَا بِالظَّنِّ مِنْ غَيْرِ تَثَبُّتٍ]

هَذِهِ الْأَسْبَابُ الثَّلَاثَةُ رَاجِعَةٌ فِي التَّحْصِيلِ إِلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ: وَهُوَ الْجَهْلُ بِمَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ وَالتَّخَرُّصِ عَلَى مَعَانِيهَا بِالظَّنِّ مِنْ غَيْرِ تَثَبُّتٍ، أَوِ الْأَخْذِ فِيهَا بِالنَّظَرِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ رَاسِخٍ فِي الْعِلْمِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>