[تَوْظِيفُ الْإِمَامِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ عِنْدَ الْحَاجَةِ]
الْمِثَالُ الْخَامِسُ:
إِنَّا إِذَا قَرَّرْنَا إِمَامًا مُطَاعًا مُفْتَقِرًا إِلَى تَكْثِيرِ الْجُنُودِ لِسَدِّ الثُّغُورِ وَحِمَايَةِ الْمُلْكِ الْمُتَّسِعِ الْأَقْطَارِ، وَخَلَا بَيْتُ الْمَالِ وَارْتَفَعَتْ حَاجَاتُ الْجُنْدِ إِلَى مَا لَا يَكْفِيهِمْ، فَلِلْإِمَامِ - إِذَا كَانَ عَدْلًا - أَنْ يُوَظِّفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ مَا يَرَاهُ كَافِيًا لَهُمْ فِي الْحَالِ، إِلَى أَنْ يَظْهَرَ مَالُ بَيْتِ الْمَالِ، ثُمَّ إِلَيْهِ النَّظَرُ فِي تَوْظِيفِ ذَلِكَ عَلَى الْغَلَّاتِ وَالثِّمَارِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، كَيْلَا يُؤَدِّيَ تَخْصِيصُ النَّاسِ بِهِ (إِلَى) إِيحَاشِ الْقُلُوبِ، وَذَلِكَ يَقَعُ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ بِحَيْثُ لَا يُحْجِفُ بِأَحَدٍ وَيَحْصُلُ الْغَرَضُ الْمَقْصُودُ.
وَإِنَّمَا لَمْ يُنْقَلْ مِثْلُ هَذَا عَنِ الْأَوَّلِينَ لِاتِّسَاعِ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ فِي زَمَانِهِمْ بِخِلَافِ زَمَانِنَا، فَإِنَّ الْقَضِيَّةَ فِيهِ أَحْرَى، وَوَجْهُ الْمَصْلَحَةِ هَنَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْعَلِ الْإِمَامُ ذَلِكَ النِّظَامَ بَطَلَتْ شَوْكَةُ الْإِمَامِ، وَصَارَتْ دِيَارُنَا عُرْضَةً لِاسْتِيلَاءِ الْكُفَّارِ.
وَإِنَّمَا نِظَامُ ذَلِكَ كُلِّهِ شَوْكَةُ الْإِمَامِ بِعَدْلِهِ، فَالَّذِينَ يَحْذَرُونَ مِنَ الدَّوَاهِي لَوِ انْقَطَعَ عَنْهُمُ الشَّوْكَةُ، يَسْتَحْقِرُونَ بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهَا أَمْوَالَهُمْ كُلَّهَا، فَضْلًا عَنِ الْيَسِيرِ مِنْهَا.
فَإِذَا عُورِضَ هَذَا الضَّرَرُ الْعَظِيمُ بِالضَّرَرِ اللَّاحِقِ لَهُمْ بِأَخْذِ الْبَعْضِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ، فَلَا يُتَمَارَى فِي تَرْجِيحِ الثَّانِي عَنِ الْأَوَّلِ. وَهُوَ مِمَّا يُعْلَمُ مِنْ مَقْصُودِ الشَّرْعِ قَبْلَ النَّظَرِ فِي الشَّوَاهِدِ.
وَالْمُلَاءَمَةُ الْأُخْرَى، أَنَّ الْأَبَ فِي طِفْلِهِ، أَوِ الْوَصِيَّ فِي يَتِيمِهِ، أَوِ الْكَافِلَ فِيمَنْ يَكْفُلُهُ، مَأْمُورٌ بِرِعَايَةِ الْأَصْلَحِ لَهُ، وَهُوَ يَصْرِفُ مَالَهُ إِلَى وُجُوهٍ مِنَ النَّفَقَاتِ أَوِ الْمُؤَنِ الْمُحْتَاجِ إِلَيْهَا. وَكُلُّ مَا يَرَاهُ سَبَبًا لِزِيَادَةِ مَالِهِ أَوْ حِرَاسَتِهِ مِنَ التَّلَفِ جَازَ لَهُ بَذْلُ الْمَالِ فِي تَحْصِيلِهِ، وَمَصْلَحَةُ الْإِسْلَامِ عَامَّةٌ لَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute