للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْحَدِيثَانِ مَعًا لِعَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -.

وَالْجَوَابُ سَهْلٌ؛ فَالْحَدِيثَانِ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّ الْأَمْرَيْنِ مُوَسَّعٌ فِيهِمَا، لِأَنَّهُ إِذَا فَعَلَ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ وَأَكْثَرَ مِنْهُ، وَفَعَلَ الْآخَرَ أَيْضًا وَأَكْثَرَ مِنْهُ عَلَى مَا تَقْتَضِيهِ " كَانَ يَفْعَلُ " حَصَلَ مِنْهُمَا أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ وَيَتْرُكُ، وَهَذَا شَأْنُ الْمُسْتَحَبِّ فَلَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا.

فَهَذِهِ عَشَرَةُ أَمْثِلَةٍ تُبَيِّنُ لَكَ مَوَاقِعَ الْإِشْكَالِ، وَإِنِّي رَتَّبْتُهَا مَعَ ثَلْجِ الْيَقِينِ، فَإِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ كُلُّ مُوقِنٍ بِالشَّرِيعَةِ أَنَّهُ لَا تَنَاقُضَ فِيهَا وَلَا اخْتِلَافَ. فَمَنْ تَوَهَّمَ ذَلِكَ فِيهَا فَهُوَ لَمْ يُمْعِنِ النَّظَرَ وَلَا أَعْطَى وَحْيَ اللَّهِ حَقَّهُ. وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النساء: ٨٢] فَحَضَّهُمْ عَلَى التَّدَبُّرِ أَوَّلًا، ثُمَّ أَعْقَبَهُ: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} [النساء: ٨٢] فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ وَأَنَّ التَّدَبُّرَ يُعِينُ عَلَى تَصْدِيقِ مَا أَخْبَرَ بِهِ.

[فَصْلُ أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِلْعُقُولِ فِي إِدْرَاكِهَا حَدًّا تَنْتَهِي إِلَيْهِ لَا تَتَعَدَّاهُ]

النَّوْعُ الثَّالِثُ:

أَنَّ اللَّهَ جَعَلَ لِلْعُقُولِ فِي إِدْرَاكِهَا حَدًّا تَنْتَهِي إِلَيْهِ لَا تَتَعَدَّاهُ، وَلَمْ يَجْعَلْ لَهَا سَبِيلًا إِلَى الْإِدْرَاكِ فِي كُلِّ مَطْلُوبٍ. وَلَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَاسْتَوَتْ مَعَ الْبَارِي تَعَالَى فِي إِدْرَاكِ جَمِيعِ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَمَا لَا يَكُونُ، إِذْ لَوْ كَانَ كَيْفَ كَانَ يَكُونُ، فَمَعْلُومَاتُ اللَّهِ لَا تَتَنَاهَى. وَمَعْلُومَاتُ الْعَبْدِ مُتَنَاهِيَةٌ. وَالْمُتَنَاهِي لَا يُسَاوِي مَا لَا يَتَنَاهَى.

<<  <  ج: ص:  >  >>