للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْبِدْعَةِ، فَرَاجِعِ النَّظَرَ فِيهَا تَجِدْهُ كَذَلِكَ.

وَالصَّوَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ طَرِيقَةٌ أُخْرَى وَهِيَ تَجْمَعُ شَتَاتَ النَّظَرَيْنِ، وَتُحَقِّقُ الْمَقْصُودَ فِي الطَّرِيقَتَيْنِ، وَهُوَ الَّذِي بُنِيَ عَلَيْهِ تَرْجَمَةُ هَذَا الْبَابِ، فَلْنُفْرِدْهُ فِي فَصْلٍ عَلَى حِدَتِهِ وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ لِلصَّوَابِ.

[فَصْلٌ أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ الَّتِي تَكُونُ مِنْ قَبِيلِ الْعَادَاتِ هَلْ يَدْخُلُ فِيهَا الْبِدَعُ]

أَفْعَالُ الْمُكَلَّفِينَ ـ بِحَسَبِ النَّظَرِ الشَّرْعِيِّ فِيهَا ـ عَلَى ضَرْبَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ مِنْ قَبِيلِ التَّعَبُّدَاتِ. وَالثَّانِي: أَنْ تَكُونَ مِنْ قَبِيلِ الْعَادَاتِ.

فَأَمَّا الْأَوَّلُ: فَلَا نَظَرَ فِيهِ هَاهُنَا.

وَأَمَّا الثَّانِي: وَهُوَ الْعَادِيُّ فَظَاهِرُ النَّقْلِ عَنِ السَّلَفِ الْأَوَّلِينَ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَخْتَلِفُ فِيهَا، فَمِنْهُمْ مَنْ يُرْشِدُ كَلَامُهُ إِلَى أَنَّ الْعَادِيَّاتِ كَالْعِبَادِيَّاتِ، فَكَمَا أَنَّا مَأْمُورُونَ فِي الْعِبَادَاتِ بِأَنْ لَا نُحْدِثَ فِيهَا، فَكَذَلِكَ الْعَادِيَّاتُ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ مُحَمَّدِ بْنِ أَسْلَمَ، حَيْثُ كَرِهَ فِي سُنَّةِ الْعَقِيقَةِ مُخَالَفَةَ مَنْ قَبِلَهُ فِي أَمْرٍ عَادِيٍّ، وَهُوَ اسْتِعْمَالُ الْمَنَاخِلِ، مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ مَعْقُولُ الْمَعْنَى نَظَرًا مِنْهُ ـ وَاللَّهُ أَعْلَمُ ـ إِلَى أَنَّ الْأَمْرَ بِاتِّبَاعِ الْأَوَّلِينَ عَلَى الْعُمُومِ غَلَبَ عَلَيْهِ جِهَةُ التَّعَبُّدِ، وَيَظْهَرُ أَيْضًا مِنْ كَلَامِ مَنْ قَالَ: أَوَّلُ مَا أَحْدَثَ النَّاسُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَنَاخِلُ.

وَيُحْكَى عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَبِي رَاشِدٍ أَنَّهُ قَالَ: لَوْلَا أَنِّي أَخَافُ مَنْ كَانَ قَبْلِي لَكَانَتِ الْجَبَّانَةُ مَسْكَنِي إِلَى أَنْ أَمُوتَ. وَالسُّكْنَى أَمْرٌ عَادِيٌّ بِلَا إِشْكَالٍ.

<<  <  ج: ص:  >  >>