ذَاكَرَهُ بِرِفْقٍ، وَلَمْ يُرِهِ أَنَّهُ خَارِجٌ مِنَ السُّنَّةِ، بَلْ يُرِيهِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ، وَأَنَّ الصَّوَابَ الْمُوَافِقَ لِلسُّنَّةِ كَذَا وَكَذَا. فَإِنْ فَعَلَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ تَعَصُّبٍ وَلَا إِظْهَارِ غَلَبَةٍ فَهُوَ الْحَجُّ، وَبِهَذِهِ الطَّرِيقَةِ دُعِيَ الْخَلْقُ أَوَّلًا إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، حَتَّى [إِذَا] عَانَدُوا وَأَشَاعُوا الْخِلَافَ وَأَظْهَرُوا الْفُرْقَةَ قُوبِلُوا بِحَسَبِ ذَلِكَ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ فِي بَعْضِ كُتُبِهِ: أَكْثَرُ الْجَهَالَاتِ إِنَّمَا رَسَخَتْ فِي قُلُوبِ الْعَوَامِّ بِتَعَصُّبِ جَمَاعَةٍ مِنْ جُهَّالِ أَهْلِ الْحَقِّ، أَظْهَرُوا الْحَقَّ فِي مَعْرِضِ التَّحَدِّي وَالْإِدْلَالِ وَنَظَرُوا إِلَى ضُعَفَاءِ الْخُصُومِ بِعَيْنِ التَّحْقِيرِ وَالِازْدِرَاءِ، فَثَارَتْ مِنْ بَوَاطِنِهِمْ دَوَاعِي الْمُعَانَدَةِ وَالْمُخَالَفَةِ، وَرَسَخَتْ فِي قُلُوبِهِمُ الِاعْتِقَادَاتُ الْبَاطِلَةُ، وَتَعَذَّرَ عَلَى الْعُلَمَاءِ الْمُتَلَطِّفِينَ مَحْوُهَا مَعَ ظُهُورِ فَسَادِهَا، حَتَّى انْتَهَى التَّعَصُّبُ بِطَائِفَةٍ إِلَى أَنِ اعْتَقَدُوا أَنَّ الْحُرُوفَ الَّتِي نَطَقُوا بِهَا فِي الْحَالِ بَعْدَ السُّكُوتِ عَنْهَا طُولَ الْعُمُرِ قَدِيمَةٌ. وَلَوْلَا اسْتِيلَاءُ الشَّيْطَانِ بِوَاسِطَةِ الْعِنَادِ وَالتَّعَصُّبِ لِلْأَهْوَاءِ، لَمَا وُجِدَ مِثْلُ هَذَا الِاعْتِقَادِ مُسْتَنْفَرًا فِي قَلْبِ مَجْنُونٍ فَضْلًا عَنْ قَلْبِ عَاقِلٍ.
هَذَا مَا قَالَ. وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي تَشْهَدُ لَهُ الْعَوَائِدُ الْجَارِيَةُ فَالْوَاجِبُ تَسْكِينُ الثَّائِرَةِ مَا قُدِرَ عَلَى ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
[الْعَلَامَاتُ وَالْخَوَاصُّ الَّتِي تُعْرَفُ بِهَا هَذِهِ الْفِرَقُ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: أَنَّهُ لَمَّا تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ لَا يَتَعَيَّنُونَ فَلَهُمْ خَوَاصُّ وَعَلَامَاتٌ يُعْرَفُونَ بِهَا، وَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ:
عَلَامَاتٌ إِجْمَالِيَّةٌ، وَعَلَامَاتٌ تَفْصِيلِيَّةٌ.
فَأَمَّا الْعَلَامَاتُ الْإِجْمَالِيَّةُ فَثَلَاثَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute