وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا بِأَنْ يَشَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إِصْلَاءَهُمْ فِي النَّارِ، وَإِنَّمَا حُمِلَ قَوْلُهُ: «كُلُّهَا فِي النَّارِ» أَيْ هِيَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ النَّارَ، كَمَا قَالَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} [النساء: ٩٣] أَيْ ذَلِكَ جَزَاؤُهُ إِنْ لَمْ يَعْفُ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنْ عَفَا عَنْهُ فَلَهُ الْعَفْوُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨] فَكَمَا ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى أَنَّ الْقَاتِلَ فِي الْمَشِيئَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الِاسْتِدْرَاكُ، كَذَلِكَ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ هُنَا بِمِثْلِهِ.
[قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ " إِلَّا وَاحِدَةً " أَعْطَى بِنَصِّهِ أَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ]
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ
إِنَّ قَوْلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: إِلَّا وَاحِدَةً قَدْ أَعْطَى بِنَصِّهِ أَنَّ الْحَقَّ وَاحِدٌ لَا يَخْتَلِفُ، إِذْ لَوْ كَانَ لِلْحَقِّ فِرَقٌ أَيْضًا لَمْ يَقُلْ إِلَّا وَاحِدَةً وَلِأَنَّ الِاخْتِلَافَ مَنْفِيٌّ عَنِ الشَّرِيعَةِ بِإِطْلَاقٍ، لِأَنَّهَا الْحَاكِمَةُ بَيْنَ الْمُخْتَلِفِينَ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: ٥٩] إِذْ رَدُّ التَّنَازُعِ إِلَى الشَّرِيعَةِ، فَلَوْ كَانَتِ الشَّرِيعَةُ تَقْتَضِي الْخِلَافَ لَمْ يَكُنْ فِي الرَّدِّ إِلَيْهَا فَائِدَةٌ. وَقَوْلُهُ: فِي شَيْءٍ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ، فَهِيَ صِيغَةٌ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ. فَتَنْتَظِمُ كُلُّ تَنَازُعٍ عَلَى الْعُمُومِ، فَالرَّدُّ فِيهَا لَا يَكُونُ إِلَّا لِأَمْرٍ وَاحِدٍ فَلَا يَسَعُ أَنْ يَكُونَ أَهْلُ الْحَقِّ فِرَقًا. وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ} [الأنعام: ١٥٣]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute