للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْهُ بِطِيبِ نَفْسِهِ.

وَأَوْلَى مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنْ نَقُولَ: وَمِنْ شَرْطِ خُرُوجِهِ مِنْ تِبَاعَةِ الْقَتْلِ مَعَ التَّوْبَةِ اسْتِدْرَاكُ مَا فَاتَ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ: إِمَّا بِبَذْلِ الْقِيمَةِ لَهُ، وَهُوَ أَمْرٌ لَا يُمْكِنُ بَعْدَ فَوْتِ الْمَقْتُولِ. فَكَذَلِكَ لَا يُمْكِنُ فِي صَاحِبِ الْبِدْعَةِ مِنْ جِهَةِ الْأَدِلَّةِ، فَرَاجِعْ مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الثَّانِي تَجِدُ فِيهِ كَثِيرًا مِنَ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ الْمُخَوِّفِ جِدًّا.

وَانْظُرْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: ١٠٥] فَهَذَا وَعِيدٌ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} [آل عمران: ١٠٦] وَتَسْوِيدُ الْوُجُوهِ عَلَامَةُ الْخِزْيِ وَدُخُولِ النَّارِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [آل عمران: ١٠٦] وَهُوَ تَقْرِيعٌ وَتَوْبِيخٌ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {فَذُوقُوا الْعَذَابَ} [آل عمران: ١٠٦] وَهُوَ تَأْكِيدٌ آخَرُ.

وَكُلُّ هَذَا التَّقْرِيرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَاتِ أَهْلُ الْقِبْلَةِ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ.

لِأَنَّ الْمُبْتَدِعَ إِذَا اتُّبِعَ فِي بِدْعَتِهِ لَمْ يُمْكِنْهُ التَّلَافِي - غَالِبًا - فِيهَا، وَلَمْ يَزَلْ أَثَرُهَا فِي الْأَرْضِ يَسْتَطِيلُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ بِسَبَبِهِ، فَهِيَ أَدْهَى مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ.

قَالَ مَالِكٌ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: إِنَّ الْعَبْدَ لَوِ ارْتَكَبَ جَمِيعَ الْكَبَائِرِ بَعْدَ أَنْ لَا يُشْرِكَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَجَبَتْ لَهُ أَرْفَعُ الْمَنَازِلِ، لِأَنَّ كُلَّ ذَنَبٍ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ هُوَ مِنْهُ عَلَى رَجَاءٍ، وَصَاحِبُ الْبِدْعَةِ لَيْسَ هُوَ مِنْهَا عَلَى رَجَاءٍ، إِنَّمَا يُهْوَى بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَهَذَا مِنْهُ نَصٌّ فِي إِنْفَاذِ الْوَعِيدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>