للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الطَّرْطُوشِيُّ: فَحَمَلَهُ عِنْدَنَا عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَهَا جَمَاعَةً، وَإِمَّا أَفْذَاذًا عَلَى هَيْئَةِ النَّوَافِلِ فِي أَعْقَابِ الْفَرَائِضِ. وَذَكَرَ أَشْيَاءَ مِنَ الْبِدَعِ الْقَوْلِيَّةِ مِمَّا نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهَا بِدَعٌ. فَصَحَّ أَنَّ الْبِدَعَ لَا تَخْتَصُّ بِالْعَقَائِدِ. وَقَدْ تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْمُوَافَقَاتِ بِنَوْعٍ آخَرَ مِنَ التَّقْرِيرِ.

[الْفِرَقُ إِنَّمَا تَصِيرُ فِرَقًا لِخِلَافِهَا لِلْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ]

نَعَمْ ثَمَّ مَعْنًى آخَرُ يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ هُنَا. وَهُوَ: الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ

وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ الْفِرَقَ إِنَّمَا تَصِيرُ فِرَقًا بِخِلَافِهَا لِلْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ فِي مَعْنًى كُلِّيٍّ فِي الدِّينِ وَقَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ، لَا فِي جُزْئِيٍّ مِنَ الْجُزْئِيَّاتِ، إِذِ الْجُزْئِيُّ وَالْفَرْعُ الشَّاذُّ لَا يَنْشَأُ عَنْهُ مُخَالَفَةٌ يَقَعُ بِسَبَبِهَا التَّفَرُّقُ شِيَعًا، وَإِنَّمَا يَنْشَأُ التَّفَرُّقُ عِنْدَ وُقُوعِ الْمُخَالَفَةِ فِي الْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ، لِأَنَّ الْكُلِّيَّاتِ تَقْتَضِي عَدَدًا مِنَ الْجُزْئِيَّاتِ غَيْرَ قَلِيلٍ، وَشَاذُّهَا فِي الْغَالِبِ أَنْ لَا يَخْتَصَّ بِمَحَلٍّ دُونَ مَحَلٍّ وَلَا بِبَابٍ دُونَ بَابٍ.

وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ بِمَسْأَلَةِ التَّحْسِينِ الْعَقْلِيِّ، فَإِنَّ الْمُخَالَفَةَ فِيهَا أَنْشَأَتْ بَيْنَ الْمُخَالِفِينَ خِلَافًا فِي فُرُوعٍ لَا تَنْحَصِرُ، مَا بَيْنَ فُرُوعِ عَقَائِدَ وَفُرُوعِ أَعْمَالٍ.

وَيَجْرِي مَجْرَى الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ كَثْرَةُ الْجُزْئِيَّاتِ، فَإِنَّ الْمُبْتَدِعَ إِذَا أَكْثَرَ مِنْ إِنْشَاءِ الْفُرُوعِ الْمُخْتَرَعَةِ عَادَ ذَلِكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الشَّرِيعَةِ بِالْمُعَارَضَةِ، كَمَا تَصِيرُ الْقَاعِدَةُ الْكُلِّيَّةُ مُعَارَضَةً أَيْضًا، وَأَمَّا الْجُزْئِيُّ فَبِخِلَافِ ذَلِكَ، بَلْ يُعَدُّ وُقُوعُ ذَلِكَ مِنَ الْمُبْتَدِعِ لَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>