وَرُوِيَ أَنَّ زَعِيمًا مِنْ زُعَمَاءِ أَهْلِ الْبِدْعَةِ كَانَ يُرِيدُ تَفْضِيلَ الْكَلَامِ عَلَى الْفِقْهِ، فَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ عِلْمَ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، جُمْلَتُهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ سَرَاوِيلِ امْرَأَةٍ.
هَذَا كَلَامُ هَؤُلَاءِ الزَّائِغِينَ، قَاتَلَهُمُ اللَّهُ.
وَ [أَمَّا] الْعَلَامَةُ التَّفْصِيلِيَّةُ فِي كُلِّ فِرْقَةٍ فَقَدْ نَبِّهَ عَلَيْهَا وَأُشِيرَ إِلَى جُمْلَةٍ مِنْهَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَفِي ظَنِّي أَنَّ مَنْ تَأَمَّلَهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ وَجَدَهَا مُنَبَّهًا عَلَيْهَا وَمُشَارًا إِلَيْهَا، وَلَوْلَا أَنَّا فَهِمْنَا مِنَ الشَّرْعِ السَّتْرَ عَلَيْهَا لَكَانَ فِي الْكَلَامِ فِي تَعْيِينِهَا مَجَالٌ مُتَّسِعٌ مَدْلُولٌ عَلَيْهِ بِالدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ، وَقَدْ كُنَّا هَمَمْنَا بِذَلِكَ فِي مَاضِي الزَّمَانِ. فَغَلَبَنَا عَلَيْهِ مَا دَلَّنَا عَلَى أَنَّ الْأَوْلَى خِلَافُ ذَلِكَ.
فَأَنْتَ تَرَى أَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي تَعْرَّضْنَا لِشَرْحِهِ لَمْ يُعَيِّنْ فِي الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ وَاحِدَةً مِنْهَا، لِهَذَا الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ - وَإِنَّمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ لِتُحْذَرَ مَظَانُّهَا، وَعَيَّنَ فِي الْحَدِيثِ الْمُحْتَاجَ إِلَيْهِ مِنْهَا، وَهِيَ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ لِيَتَحَرَّاهَا الْمُكَلَّفُ، وَسَكَتَ عَنْ ذَلِكَ فِي الرِّوَايَةِ الصَّحِيحَةِ، لِأَنَّ ذِكْرَهَا فِي الْجُمْلَةِ يُفِيدُ الْأُمَّةَ الْخَوْفَ مِنَ الْوُقُوعِ فِيهَا، وَذَكَرَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فِرْقَةً مِنِ الْفِرَقِ الْهَالِكَةِ لِأَنَّهَا - كَمَا قَالَ - أَشَدُّ الْفِرَقِ عَلَى الْأُمَّةِ. وَبَيَانُ كَوْنِهَا أَشَدَّ فِتْنَةً مِنْ غَيْرِهَا سَيَأْتِي آخِرًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
[التَّوْفِيقُ بَيْنَ رِوَايَاتِ حَدِيثِ الْفِرَقِ]
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ:
إِنَّ الرِّوَايَةَ الصَّحِيحَةَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ افْتِرَاقَ الْيَهُودِ كَافْتِرَاقِ النَّصَارَى عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute