للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السَّعْيِ بِالْقَتْلِ إِذَا عُلِمَ أَنَّهُ لَا قَصَاصَ فِيهِ.

وَلَيْسَ أَصْلُهُ قَتْلَ الْمُنْفَرِدِ فَإِنَّهُ قَاتِلٌ تَحْقِيقًا، وَالْمُشْتَرِكُ لَيْسَ بِقَاتِلٍ تَحْقِيقًا.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا أَمْرٌ بَدِيعٌ فِي الشَّرْعِ وَهُوَ قَتْلُ غَيْرِ الْقَاتِلِ، قُلْنَا: لَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ لَمْ يُقْتَلُ إِلَّا الْقَاتِلُ، وَهُمْ الْجَمَاعَةُ مِنْ حَيْثُ الِاجْتِمَاعُ عِنْدَ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ، فَهُوَ مُضَافٌ إِلَيْهِمْ تَحْقِيقًا إِضَافَتُهُ إِلَى الشَّخْصِ الْوَاحِدِ، وَإِنَّمَا التَّعْيِينُ فِي تَنْزِيلِ الْأَشْخَاصِ مَنْزِلَةَ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ، وَقَدْ دَعَتْ إِلَيْهِ الْمَصْلَحَةُ فَلَمْ يَكُنْ مُبْتَدِعًا مَعَ مَا فِيهِ مِنْ حِفْظِ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ فِي حَقْنِ الدِّمَاءِ.

وَعَلَيْهِ يَجْرِي عِنْدَ مَالِكٍ قَطْعُ الْأَيْدِي بِالْيَدِ الْوَاحِدَةِ، وَقَطْعُ الْأَيْدِي فِي النِّصَابِ الْوَاجِبِ.

[خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ يَظْهَرُ بَيْنَ النَّاسِ وَالْحَاجَةُ إِلَى إِمَامٍ يَقْدُمُ لِجَرَيَانِ الْأَحْكَامِ]

الْمِثَالُ التَّاسِعُ:

إِنَّ الْعُلَمَاءَ نَقَلُوا الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْإِمَامَةَ الْكُبْرَى لَا تَنْعَقِدُ إِلَّا لِمَنْ نَالَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ وَالْفَتْوَى فِي عُلُومِ الشَّرْعِ، كَمَا أَنَّهُمُ اتَّفَقُوا أَيْضًا ـ أَوْ كَادُوا أَنْ يَتَّفِقُوا ـ عَلَى أَنَّ الْقَضَاءَ بَيْنَ النَّاسِ لَا يَحْصُلُ إِلَّا لِمَنْ رَقِيَ (فِي) رُتْبَةِ الِاجْتِهَادِ. وَهَذَا صَحِيحٌ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَلَكِنْ إِذَا فُرِضَ خُلُوُّ الزَّمَانِ عَنْ مُجْتَهِدٍ يَظْهَرُ بَيْنَ النَّاسِ، وَافْتَقَرُوا إِلَى إِمَامٍ يُقَدِّمُونَهُ لِجَرَيَانِ الْأَحْكَامِ وَتَسْكِينِ ثَوْرَةِ الثَّائِرِينَ، وَالْحِيَاطَةِ عَلَى دِمَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالِهِمْ، فَلَا بُدَّ مِنْ إِقَامَةِ الْأَمْثَلِ مِمَّنْ لَيْسَ بِمُجْتَهِدٍ، لِأَنَّا بَيْنَ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يُتْرَكَ النَّاسُ فَوْضًى، وَهُوَ عَيْنُ الْفَسَادِ وَالْهَرَجِ. وَإِمَّا أَنْ يُقَدِّمُوهُ فَيَزُولُ الْفَسَادُ بَتَّةً، وَلَا يَبْقَى إِلَّا فَوْتُ الِاجْتِهَادِ، وَالتَّقْلِيدُ كَافٍ بِحَسَبِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>