للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَسْلَكَهُ؛ لِأَنَّهُمْ بَنَوْا عَلَى أَصْلٍ قَطْعِيٍّ فِي الشَّرْعِ، مُحْكَمٍ لَا يَنْسَخُهُ شَيْءٌ، وَلَيْسَ مِنْ مَسْأَلَتِنَا بِسَبِيلٍ.

وَلَكِنْ ثَمَّ تَحْقِيقٌ زَائِدٌ لَا يَسَعُ إِيرَادُهُ هَاهُنَا، وَأَصْلُهُ مَأْخُوذٌ مِنْ كِتَابِ الْمُوَافَقَاتِ مَنْ تَمَرَّنَ فِيهِ حَقَّقَ هَذَا الْمَعْنَى عَلَى التَّمَامِ، وَبِاللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ مَضْمُونَ هَذَا الْفَصْلِ يَقْتَضِي أَنَّ الْعَمَلَ عَلَى الرَّهْبَانِيَّةِ الْمَنْفِيَّةِ فِي الْآيَةِ بِدْعَةٌ مِنَ الْبِدَعِ الْحَقِيقِيَّةِ لَا الْإِضَافِيَّةِ، لِرَدِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا أَصْلًا وَفَرْعًا.

[فَصْلٌ الْخُرُوجُ عَنِ السُّنَّةِ إِلَى الْبِدْعَةِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوِ الْإِضَافِيَّةِ]

فَصْلٌ

ثَبَتَ بِمَضْمُونِ هَذِهِ الْفُصُولِ الْمُتَقَدِّمَةِ آنِفًا أَنَّ الْحَرَجَ مَنْفِيٌّ عَنِ الدِّينِ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا ـ وَإِنْ كَانَ قَدْ ثَبَتَ أَيْضًا فِي الْأُصُولِ الْفِقْهِيَّةِ عَلَى وَجْهٍ مِنَ الْبُرْهَانِ أَبْلَغَ ـ؛ فَلْنَبْنِ عَلَيْهِ فَنَقُولُ:

قَدْ فَهِمَ قَوْمٌ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَأَهْلِ الِانْقِطَاعِ إِلَى اللَّهِ مِمَّنْ ثَبَتَ وِلَايَتُهُمْ: أَنَّهُمْ كَانُوا يُشَدِّدُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَيُلْزِمُونَ غَيْرَهُمُ الشِّدَّةَ أَيْضًا وَالْتِزَامَ الْحَرَجِ دَيْدَنًا فِي سُلُوكِ طَرِيقِ الْآخِرَةِ، وَعَدُّوا مَنْ لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ هَذَا الِالْتِزَامِ مُقَصِّرًا مَطْرُودًا وَمَحْرُومًا، وَرُبَّمَا فَهِمُوا ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ الْإِطْلَاقَاتِ الشَّرْعِيَّةِ، فَرَشَّحُوا بِذَلِكَ مَا الْتَزَمُوهُ، فَأَفْضَى الْأَمْرُ بِهِمْ إِلَى الْخُرُوجِ عَنِ السُّنَّةِ إِلَى الْبِدْعَةِ الْحَقِيقِيَّةِ أَوِ الْإِضَافِيَّةِ.

فَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لِلْمُكَلَّفِ طَرِيقَانِ فِي سُلُوكِهِ لِلْآخِرَةِ: أَحَدُهُمَا سَهْلٌ، وَالْآخِرُ صَعْبٌ، وَكِلَاهُمَا فِي التَّوَصُّلِ إِلَى الْمَطْلُوبِ عَلَى حَدٍّ وَاحِدٍ،

<<  <  ج: ص:  >  >>