للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالْمَعْصِيَةِ الَّتِي هِيَ لَيْسَتْ بِبِدْعَةٍ.

وَأَنَّ الْعَادِيَّاتِ مِنْ حَيْثُ هِيَ عَادِيَّةٌ لَا بِدْعَةَ فِيهَا، وَمِنْ حَيْثُ يَتَعَبَّدُ بِهَا أَوْ تُوضَعُ وَضْعَ التَّعَبُّدِ تَدْخُلُهَا الْبِدْعَةُ، وَحَصَلَ بِذَلِكَ اتِّفَاقُ الْقَوْلَيْنِ، وَصَارَ الْمَذْهَبَانِ مَذْهَبًا وَاحِدًا، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

[فَصْلٌ فُشْوُ الْمَعَاصِي وَالْمُنْكِرَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ وَالْعَمَلُ بِهَا هَلْ يُعَدُّ بِدْعَةً]

فَإِنْ قِيلَ: أَمَّا الِابْتِدَاعُ، بِمَعْنَى أَنَّهُ نَوْعٌ مِنَ التَّشْرِيعِ عَلَى وَجْهِ التَّعَبُّدِ فِي الْعَادِيَاتِ مِنْ حَيْثُ هُوَ تَوْقِيتٌ مَعْلُومٌ مَعْقُولٌ، فَإِيجَابُهُ أَوْ إِجَازَتُهُ بِالرَّأْيِ ـ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَمْثِلَةِ بِدَعِ الْخَوَارِجِ وَمَنْ دَانَاهُمْ مِنَ الْفِرَقِ الْخَارِجِيَّةِ عَنِ الْجَادَّةِ ـ فَظَاهَرَ.

وَمِنْ ذَلِكَ، الْقَوْلُ بِالتَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيِّ، وَالْقَوْلِ بِتَرْكِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.

فَالْقَوْلُ بِأَنَّهُ بِدْعَةٌ قَدْ تَبَيَّنَ وَجْهُهُ وَاتَّضَحَ مَغْزَاهُ، وَإِنَّمَا يَبْقَى وَجْهٌ آخَرُ يُشْبِهُهُ وَلَيْسَ بِهِ، وَهُوَ أَنَّ الْمَعَاصِي وَالْمُنْكِرَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ قَدْ تَظْهَرُ وَتَفْشُو، وَيَجْرِي الْعَمَلُ بِهَا بَيْنَ النَّاسِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقَعُ لَهَا إِنْكَارٌ مِنْ خَاصٍّ وَلَا عَامٍّ، فَمَا كَانَ مِنْهَا هَذَا شَأْنُهُ: هَلْ يُعَدُّ مِثْلُهُ بِدَعَةً أَمْ لَا؟

فَالْجَوَابُ: أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لَهَا نَظَرَانِ:

أَحَدُهُمَا: نَظَرٌ مِنْ حَيْثُ وُقُوعِهَا وَاعْتِقَادًا فِي الْأَصْلِ، فَلَا شَكَّ أَنَّهَا مُخَالَفَةٌ لَا بِدْعَةٌ، إِذْ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ كَوْنِ الْمَمْنُوعِ وَالْمَكْرُوهِ غَيْرَ بِدْعَةٍ أَنْ لَا يَنْشُرَهَا وَلَا يُظْهِرُهَا أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ أَنْ تُنْشَرَ، بَلْ لَا تَزُولُ الْمُخَالَفَةُ ظَهَرَتْ أَوْ لَا، وَاشْتُهِرَتْ أَمْ لَا، وَكَذَلِكَ دَوَامُ الْعَمَلِ أَوْ عَدَمِ دَوَامِهِ لَا يُؤَثِّرُ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا، وَالْمُبْتَدَعُ قَدْ يُقَامُ عَنْ بِدْعَةٍ، وَالْمُخَالِفُ قَدْ يَدُومُ عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>