يَقْتَضِي إِنْفَاذَ الْوَعِيدِ ظَاهِرًا، وَيَبْقَى الْخُلُودُ وَعَدَمُهُ مَسْكُوتًا عَنْهُ، فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا أَرَدْنَا، إِذِ الْوَعِيدُ بِالنَّارِ قَدْ يَتَعَلَّقُ بِعُصَاةِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا يَتَعَلَّقُ بِالْكُفَّارِ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَإِنْ تَبَايَنَا فِي التَّخْلِيدِ وَعَدَمِهِ.
[تَخْصِيصُ الْفِرَقِ الْمَذْكُورَةِ بِالْمُبْتَدِعَةِ، وَإِشَارَةُ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْخُصُوصِ]
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:
إِنَّ هَذِهِ الْأَقْوَالَ الْمَذْكُورَةَ آنِفًا مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الْفِرَقَ الْمَذْكُورَةَ فِي الْحَدِيثِ هِيَ الْمُبْتَدِعَةُ فِي قَوَاعِدِ الْعَقَائِدِ عَلَى الْخُصُوصِ، كَالْجَبْرِيَّةِ وَالْقَدَرِيَّةِ، وَالْمُرْجِئَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ مِمَّا يُنْظَرُ فِيهِ. فَإِنَّ إِشَارَةَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ تَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْخُصُوصِ، وَهُوَ رَأْيُ الطَّرْطُوشِيِّ، أَفَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ} [آل عمران: ٧] وَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {مَا تَشَابَهَ} [آل عمران: ٧] لَا تُعْطِي خُصُوصًا فِي اتِّبَاعِ الْمُتَشَابِهِ لَا فِي قَوَاعِدِ الْعَقَائِدِ وَلَا فِي غَيْرِهَا، بَلِ الصِّيغَةُ تَشْمَلُ ذَلِكَ كُلَّهُ، فَالتَّخْصِيصُ تَحَكُّمٌ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: ١٥٩] فَجَعَلَ ذَلِكَ التَّفْرِيقَ فِي الدِّينِ، وَلَفْظُ الدِّينِ يَشْمَلُ الْعَقَائِدَ وَغَيْرَهَا، وَقَوْلُهُ: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام: ١٥٣] فَالصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الشَّرِيعَةُ عَلَى الْعُمُومِ، وَشِبْهُ مَا تَقَدَّمَ فِي السُّورَةِ مِنْ تَحْرِيمِ مَا ذُبِحَ لِغَيْرِ اللَّهِ وَتَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute