للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حَتَّى خَرَجُوا بِأَسْيَافِهِمْ عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ طَلَبُوا الْعِلْمَ لَمْ يَدُلَّهُمْ عَلَى مَا فَعَلُوا ـ يَعْنِي الْخَوَارِجَ ـ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، لِأَنَّهُمْ قَرَؤُوا الْقُرْآنَ وَلَمْ يَتَفَقَّهُوا فِيهِ حَسْبَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْحَدِيثُ.

«يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ».

وَرُوِيَ عَنْ مَكْحُولٍ أَنَّهُ قَالَ: تَفَقُّهُ الرِّعَاعِ فَسَادُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَتَفَقُّهُ السَّفَلَةِ فَسَادُ الدِّينِ.

وَقَالَ الْفِرْيَابِيُّ: كَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ إِذَا رَأَى هَؤُلَاءِ النَّبْطَ يَكْتُبُونَ الْعِلْمَ تَغَيَّرَ وَجْهُهُ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ! أَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَ هَؤُلَاءِ يَكْتُبُونَ الْعِلْمَ يَشْتَدُّ عَلَيْكَ. قَالَ: كَانَ الْعِلْمُ فِي الْعَرَبِ وَفِي سَادَاتِ النَّاسِ، وَإِذَا خَرَجَ عَنْهُمْ وَصَارَ إِلَى هَؤُلَاءِ النَّبْطِ وَالسَّفَلَةِ غُيِّرَ الدِّينُ.

وَهَذِهِ الْآثَارُ أَيْضًا إِذَا حُمِلَتْ عَلَى التَّأْوِيلِ الْمُتَقَدِّمِ اشْتَدَّتْ وَاسْتَقَامَتْ، لِأَنَّ ظَوَاهِرَهَا مُشَكَّلَةٌ، وَلَعَلَّكَ إِذَا اسْتَقْرَيْتَ أَهْلَ الْبِدَعِ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ، أَوْ أَكْثَرَهُمْ وَجَدْتَهُمْ مِنْ أَبْنَاءِ سَبَايَا الْأُمَمِ، وَمَنْ لَيْسَ لَهُ أَصَالَةٌ فِي اللِّسَانِ الْعَرَبِيِّ، فَعَمَّا قَرِيبٍ يُفْهَمُ كِتَابُ اللَّهِ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهِ، كَمَا أَنَّ مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فِي مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ فَهِمَهَا عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا.

[مِنْ أَسْبَابِ الْخِلَافِ اتِّبَاعُ الْهَوَى]

وَالثَّانِي مِنْ أَسْبَابِ الْخِلَافِ اتِّبَاعُ الْهَوَى

وَلِذَلِكَ سُمِّيَ أَهْلُ الْبِدَعِ أَهْلَ الْأَهْوَاءِ لِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ فَلَمْ يَأْخُذُوا الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ مَأْخَذَ الِافْتِقَارِ إِلَيْهَا، وَالتَّعْوِيلِ عَلَيْهَا، حَتَّى يَصْدُرُوا عَنْهَا، بَلْ قَدَّمُوا أَهْوَاءَهُمْ، وَاعْتَمَدُوا عَلَى آرَائِهِمْ، ثُمَّ جَعَلُوا الْأَدِلَّةَ الشَّرْعِيَّةَ مَنْظُورًا فِيهَا مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>