آرَاءِ الْعِبَادِ فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْوُقُوفُ عِنْدَ مَا حَدَّهُ. وَالزِّيَادَةُ عَلَيْهِ بِدْعَةٌ، كَمَا أَنَّ النُّقْصَانَ مِنْهُ بِدْعَةٌ. وَقَدْ مَرَّ لَهُمَا أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ وَسَيَأْتِي أَخِيرًا فِي أَثْنَاءِ الْكِتَابِ بِحَوْلِ اللَّهِ.
[فَصْلٌ الِاسْتِحْسَانُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِمُسْتَحْسِنٍ وَهُوَ إِمَّا الْعَقْلُ أَوِ الشَّرْعُ]
وَأَمَّا الِاسْتِحْسَانُ، فَلِأَنَّ لِأَهْلِ الْبِدَعِ أَيْضًا تَعَلُّقًا بِهِ، فَإِنَّ الِاسْتِحْسَانَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِمُسْتَحْسِنٍ، وَهُوَ إِمَّا الْعَقْلُ أَوِ الشَّرْعُ.
أَمَّا الشَّرْعُ فَاسْتِحْسَانُهُ وَاسْتِقْبَاحُهُ قَدْ فَرَغَ مِنْهُمَا، لِأَنَّ الْأَدِلَّةَ اقْتَضَتْ ذَلِكَ فَلَا فَائِدَةَ لِتَسْمِيَتِهِ اسْتِحْسَانًا، وَلَا لِوَضْعِ تَرْجَمَةٍ لَهُ زَائِدَةٍ عَلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَمَا يَنْشَأُ عَنْهَا مِنَ الْقِيَاسِ وَالِاسْتِدْلَالِ.
فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْعَقْلُ هُوَ الْمُسْتَحْسِنُ، فَإِنْ كَانَ بِدَلِيلٍ فَلَا فَائِدَةَ لِهَذِهِ التَّسْمِيَةِ؛ لِرُجُوعِهِ إِلَى الْأَدِلَّةِ لَا إِلَى غَيْرِهَا.
وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَذَلِكَ هُوَ الْبِدْعَةُ الَّتِي تُسْتَحْسَنُ.
وَيَشْهَدُ لِذَلِكَ قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي الِاسْتِحْسَانِ: أَنَّهُ مَا يَسْتَحْسِنُهُ الْمُجْتَهِدُ بِعَقْلِهِ، وَيَمِيلُ إِلَيْهِ بِرَأْيِهِ.
قَالُوا: وَهُوَ عِنْدُ هَؤُلَاءِ مِنْ جِنْسِ مَا يُسْتَحْسَنُ فِي الْعَوَائِدِ، وَتَمِيلُ إِلَيْهِ الطِّبَاعُ فَيَجُوزُ الْحُكْمُ بِمُقْتَضَاهُ إِذَا لَمْ يُوجَدُ فِي الشَّرْعِ مَا يُنَافِي هَذَا الْكَلَامُ مَا بَيَّنَ أَنَّ ثَمَّ مِنَ التَّعَبُّدَاتِ مَا لَا يَكُونُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، وَهُوَ الَّذِي يُسَمَّى بِالْبِدْعَةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَنْقَسِمَ إِلَى حَسَنٍ وَقَبِيحٍ، إِذْ لَيْسَ كُلُّ اسْتِحْسَانٍ حَقًّا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute