للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأُمَّةِ، وَالْمُقْتَدَى بِهِمْ مِنَ الْأَئِمَّةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ الِاعْتِبَارُ وَالنَّقْلُ، فَإِنَّ أَهْلَ الْبِدَعِ كَانَ مِنْ شَأْنِهِمِ الْقِيَامُ بِالنَّكِيرِ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ إِنْ كَانَ لَهُمْ عُصْبَةٌ، أَوْ لَصَقُوا بِسُلْطَانٍ تَجْرِي أَحْكَامُهُ فِي النَّاسِ وَتَنْفُذُ أَوَامِرُهُ فِي الْأَقْطَارِ، وَمَنْ طَالَعَ سَيْرَ الْمُتَقَدِّمِينَ، وَجَدَ مِنْ ذَلِكَ مَا لَا يَخْفَى.

وَأَمَّا النَّقْلُ، فَمَا ذَكَرَهُ السَّلَفُ مِنْ أَنَّ الْبِدْعَةَ إِذَا أُحْدِثَتْ لَا تَزِيدُ إِلَّا مُضِيًّا، وَلَيْسَتْ كَذَلِكَ الْمَعَاصِي، فَقَدْ يَتُوبُ صَاحِبُهَا وَيُنِيبُ إِلَى اللَّهِ، بَلْ قَدْ جَاءَ مَا يَشُدُّ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ الْفِرَقِ، حَيْثُ جَاءَ فِي بَعْضُ الرِّوَايَاتِ:

تَتَجَارَى بِهِمْ تِلْكَ الْأَهْوَاءُ كَمَا يَتَجَارَى الْكَلْبُ بِصَاحِبِهِ وَمِنْ هُنَا جَزَمَ السَّلَفُ بِأَنَّ الْمُبْتَدِعَ لَا تَوْبَةَ لَهُ مِنْهَا حَسْبَمَا تَقَدَّمَ.

[أَنْ لَا يَدْعُوَ إِلَى الْبِدْعَةِ]

وَالشَّرْطُ الثَّانِي: أَنْ لَا يَدْعُوَ إِلَيْهَا، فَإِنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ تَكُونُ صَغِيرَةً بِالْإِضَافَةِ، ثُمَّ يَدْعُو مُبْتَدِعُهَا إِلَى الْقَوْلِ بِهَا وَالْعَمَلِ عَلَى مُقْتَضَاهَا فَيَكُونُ إِثْمُ ذَلِكَ كُلِّهِ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ الَّذِي أَثَارَهَا، وَسَبَبُ كَثْرَةِ وُقُوعِهَا وَالْعَمَلِ بِهَا، فَإِنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ قَدْ أَثْبَتَ:

«أَنَّ كُلَّ مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا» وَالصَّغِيرَةُ مَعَ الْكَبِيرَةِ إِنَّمَا تَفَاوُتُهَا بِحَسَبِ كَثْرَةِ الْإِثْمِ وَقِلَّتِهِ، فَرُبَّمَا تُسَاوِي الصَّغِيرَةُ ـ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ ـ الْكَبِيرَةَ أَوْ تُرْبِي عَلَيْهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>