وَأَكْثَرُ هَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ، وَمِنْ مَالَ إِلَى الْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمْ، وَيَدْخُلُ فِي غِمَارِهِمْ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ يَخْشَى السَّلَاطِينَ لِنَيْلِ مَا عِنْدَهُمْ، أَوْ طَلَبًا لِلرِّيَاسَةِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَمِيلَ مَعَ النَّاسِ بِهَوَاهُمْ، وَيَتَأَوَّلَ عَلَيْهِمْ فِيمَا أَرَادُوا، حَسْبَمَا ذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ وَنَقَلَهُ مِنْ مُصَاحِبِي السَّلَاطِينُ.
فَالْأَوَّلُونَ رَدُّوا كَثِيرًا مِنَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ بِعُقُولِهِمِ، وَأَسَاؤُوا الظَّنَّ بِمَا صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَحَسَّنُوا ظَنَّهُمْ بِآرَائِهِمُ الْفَاسِدَةِ، حَتَّى رَدُّوا كَثِيرًا مِنْ أُمُورِ الْآخِرَةِ وَأَحْوَالِهَا مِنَ الصِّرَاطِ وَالْمِيزَانِ، وَحَشْرِ الْأَجْسَادِ، وَالنَّعِيمِ وَالْعَذَابِ الْجِسْمِيَّيْنِ، وَأَنْكَرُوا رُؤْيَةَ الْبَارِي، وَأَشْبَاهَ ذَلِكَ، بَلْ صَيَّرُوا الْعَقْلَ شَارِعًا جَاءَ الشَّرْعُ أَوْ لَا، بَلْ إِنْ جَاءَ فَهُوَ كَاشِفٌ لِمُقْتَضَى مَا حَكَمَ بِهِ الْعَقْلُ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الشَّنَاعَاتِ.
وَالْآخَرُونَ خَرَجُوا عَنِ الْجَادَّةِ إِلَى الْبَنِيَّاتِ، وَإِنْ كَانَتْ مُخَالِفَةً لِطَلَبِ الشَّرِيعَةِ، حِرْصًا عَلَى أَنْ يَغْلِبَ عَدْوُهُ، أَوْ يُفِيدَ وَلِيَّهُ، أَوْ يَجُرَّ إِلَى نَفْسِهِ نَفْعًا، كَمَا ذَكَرُوا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ لُبَابَةَ أَخِي الشَّيْخِ ابْنِ لُبَابَةَ الْمَشْهُورِ، فَإِنَّهُ عُزِلَ عَنِ قَضَاءِ الْبِيرَةِ ثُمَّ عُزِلَ عَنِ الشُّورَى لِأَشْيَاءَ نُقِمَتْ عَلَيْهِ، وَسَجَّلَ بِسَخْطَتِهِ الْقَاضِي حَبِيبُ بْنُ زِيَادَةَ، وَأَمَرَ بِإِسْقَاطِ عَدَالَتِهِ وَإِلْزَامِهِ بَيْتَهُ، وَأَنْ لَا يُفْتِيَ أَحَدًا.
ثُمَّ إِنَّ النَّاصِرَ احْتَاجَ إِلَى شِرَاءِ مُجَشِّرٍ مِنْ أَحْبَاسِ الْمَرْضَى بِقُرْطُبَةَ بِعَدْوَةِ النَّهْرِ، فَشَكَا إِلَى الْقَاضِي ابْنِ بَقِيٍّ ضَرُورَتَهُ إِلَيْهِ لِمُقَابَلَتِهِمْ مَنْزَهَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute