مُخَالَفَتِهِ إِلَى الْمَوْتِ، عِيَاذًا بِاللَّهِ.
وَالثَّانِي: نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ مَا يَقْتَرِنُ بِهَا مِنْ خَارِجٍ، فَالْقَرَائِنُ قَدْ تَقْتَرِنُ، فَتَكُونُ سَبَبًا فِي مَفْسَدَةٍ حَالِيَّةٍ، وَفِي مَفْسَدَةٍ مَالِيَّةٍ، كِلَاهُمَا رَاجِعٌ إِلَى اعْتِقَادِ الْبِدْعَةِ.
أَمَّا الْحَالِيَّةُ فَبِأَمْرَيْنِ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَعْمَلَ بِهَا الْخَوَاصُّ مِنَ النَّاسِ عُمُومًا، وَخَاصَّةً الْعُلَمَاءَ خُصُوصًا، وَتَظْهَرُ مِنْ جِهَتِهِمْ. وَهَذِهِ مَفْسَدَةٌ فِي الْإِسْلَامِ يَنْشَأُ عَنْهَا عَادَةً مِنْ جِهَةِ الْعَوَامِّ اسْتِسْهَالِهَا وَاسْتِجَازَتِهَا، لِأَنَّ الْعَالِمَ الْمُنْتَصِبَ مُفْتِيًا لِلنَّاسِ بِعَمَلِهِ كَمَا هُوَ مُفْتٍ بِقَوْلِهِ. فَإِذَا نَظَرَ إِلَيْهِ النَّاسُ يَعْمَلُ مَا يَأْمُرُ هُوَ بِمُخَالَفَتِهِ حَصَلَ فِي اعْتِقَادِهِمْ جَوَازُهُ، وَيَقُولُونَ: لَوْ كَانَ مَمْنُوعًا أَوْ مَكْرُوهًا لَامْتَنَعَ مِنْهُ الْعَالَمُ.
هَذَا، وَإِنْ نَصَّ عَلَى مَنْعِهِ أَوْ كَرَاهَتِهِ، فَإِنَّ عَمَلَهُ مُعَارِضٌ لِقَوْلِهِ، فَإِمَّا أَنْ يَقُولَ الْعَامِّيُّ: إِنَّ الْعَالِمَ خَالَفَ بِذَلِكَ، وَيَجُوزُ عَلَيْهِ مِثْلَ ذَلِكَ، وَهُمْ عُقَلَاءُ النَّاسُ، وَهُمُ الْأَقَلُّونَ.
وَإِمَّا أَنْ يَقُولَ: أَنَّهُ وَجَدَ فِيهِ رُخْصَةً، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ كَمَا قَالَ لَمْ يَأْتِ بِهِ فَيُرَجِّحُ بَيْنَ قَوْلِهِ وَفِعْلِهِ. وَالْفِعْلُ أَغْلَبُ مِنَ الْقَوْلِ فِي جِهَةِ التَّأَسِّي ـ كَمَا تَبَيَّنَ فِي كِتَابِ " الْمُوَافَقَاتِ " ـ فَيَعْمَلُ الْعَامِّيُّ بِعَمَلِ الْعَالِمِ، تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِهِ، فَيَعْتَقِدُهُ جَائِزًا، وَهَؤُلَاءِ هُمُ الْأَكْثَرُونَ.
فَقَدْ صَارَ عَمَلُ الْعَالِمِ عِنْدَ الْعَامِّيِّ حُجَّةً، كَمَا كَانَ قَوْلُهُ حُجَّةً عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْعُمُومِ فِي الْفُتْيَا، فَاجْتَمَعَ عَلَى الْعَامِّيِّ الْعَمَلُ مَعَ اعْتِقَادِ الْجَوَازِ بِشُبْهَةِ دَلِيلٍ، وَهَذَا عَيْنُ الْبِدْعَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute