للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَعَالَى، فَخَافَ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمُ اخْتِلَافَ الْأُمَّةِ فِي يَنْبُوعِ الْمِلَّةِ، فَقَصَرُوا النَّاسَ عَلَى مَا ثَبَتَ مِنْهَا فِي مَصَاحِفِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَاطَّرَحُوا مَا سِوَى ذَلِكَ، عِلْمًا بِأَنَّ مَا اطَّرَحُوهُ مُضَمَّنٌ فِيمَا أَثْبَتُوهُ، لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْقِرَاءَاتِ الَّتِي يُؤَدَّى بِهَا الْقُرْآنُ.

ثُمَّ ضَبَطُوا ذَلِكَ بِالرِّوَايَةِ حِينَ فَسَدَتِ الْأَلْسِنَةُ، وَدَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ أَهْلُ الْعُجْمَةِ; خَوْفًا مِنْ فَتْحِ بَابٍ آخَرَ مِنَ الْفَسَادِ، وَهُوَ أَنْ يُدْخِلَ أَهْلُ الْإِلْحَادِ فِي الْقُرْآنِ أَوْ فِي الْقِرَاءَاتِ مَا لَيْسَ مِنْهَا، فَيَسْتَعِينُوا بِذَلِكَ فِي بَثِّ إِلْحَادِهِمْ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُمْكِنُهُمُ الدُّخُولُ مِنْ هَذَا الْبَابِ; دَخَلُوا مِنْ جِهَةِ التَّأْوِيلِ وَالدَّعْوَى فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ حَسْبَمَا يَأْتِي ذِكْرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى؟

فَحَقٌّ مَا فَعَلَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَنَّ لَهُ أصْلًا يَشْهَدُ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ، وَهُوَ الْأَمْرُ بِتَبْلِيغِ الشَّرِيعَةِ، وَذَلِكَ لَا خِلَافَ فِيهِ; لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ} [المائدة: ٦٧]، وَأُمَّتُهُ مِثْلُهُ، وَفِي الْحَدِيثِ:

«لِيُبَلِّغْ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الْغَائِبَ»، وَأَشْبَاهِهِ.

وَالتَّبْلِيغُ كَمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِكَيْفِيَّةٍ مَعْلُومَةٍ; لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْمَعْقُولِ الْمَعْنَى، فَيَصِحُّ بِأَيِّ شَيْءٍ أَمْكَنَ مِنَ الْحِفْظِ وَالتَّلْقِينِ وَالْكِتَابَةِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ لَا يَتَقَيَّدُ حِفْظُهُ عَنِ التَّحْرِيفِ وَالزَّيْغِ بِكَيْفِيَّةٍ دُونَ أُخْرَى، إِذَا لَمْ يَعُدْ عَلَى الْأَصْلِ [بِـ] الْإِبْطَالِ; كَمَسْأَلَةِ الْمُصْحَفِ، وَلِذَلِكَ أَجْمَعَ عَلَيْهِ السَّلَفُ الصَّالِحُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>