للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِثْلُهُ التَّجَمُّلُ لِلِقَاءِ الْعُظَمَاءِ; كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَشَجِّ عَبْدِ الْقَيْسِ.

وَأَمَّا ثَانِيًا; فَإِنْ سَلَّمْنَا أَنْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ بِخُصُوصِهِ; فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمَصَالِحِ الْمُرْسَلَةِ، وَقَدْ مَرَّ أَنَّهَا ثَابِتَةٌ فِي الشَّرْعِ.

وَمَا قَالَهُ مِنْ أَنَّ عُمَرَ كَانَ يَأْكُلُ خُبْزَ الشَّعِيرِ وَيَفْرِضُ لِعَامِلِهِ نِصْفَ شَاةٍ; فَلَيْسَ فِيهِ تَفْخِيمُ صُورَةِ الْإِمَامِ وَلَا عَدَمُهُ، بَلْ فَرَضَ لَهُ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ خَاصَّةً، وَإِلَّا فَنِصْفُ شَاةٍ لِبَعْضِ الْعُمَّالِ قَدْ لَا يَكْفِيهِ; لِكَثْرَةِ عِيَالٍ، وَطُرُوقِ ضَيْفٍ، وَسَائِرِ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ مِنْ لِبَاسٍ وَرُكُوبٍ وَغَيْرِهِمَا، فَذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ أَكْلِ الشَّعِيرِ فِي الْمَعْنَى.

وَأَيْضًا; فَإِنَّ مَا يَرْجِعُ إِلَى الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ لَا تَجَمُّلَ فِيهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الظُّهُورِ لِلنَّاسِ.

وَقَوْلُهُ: " فَكَذَلِكَ يَحْتَاجُونَ إِلَى تَجْدِيدِ زَخَارِفَ وَسِيَاسَاتٍ لَمْ تَكُنْ قَدِيمَةً، وَرُبَّمَا وَجَبَتْ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ " ; مُفْتَقِرٌ إِلَى التَّأَمُّلِ، فَفِيهِ عَلَى الْجُمْلَةِ أَنَّهُ مُنَاقِضٌ لِقَوْلِهِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ: " الْخَيْرُ كُلُّهُ فِي الِاتِّبَاعِ، وَالشَّرُّ كُلُّهُ فِي الِابْتِدَاعِ "، مَعَ مَا ذَكَرَهُ قَبْلَهُ.

فَهَذَا كَلَامٌ يَقْتَضِي أَنَّ الِابْتِدَاعَ شَرٌّ كُلُّهُ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَجْتَمِعَ مَعَ فَرْضِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ قَدْ ذَكَرَ أَنَّ الْبِدْعَةَ قَدْ تَجِبُ، وَإِذَا وَجَبَتْ; لَزِمَ الْعَمَلُ بِهَا، وَهِيَ لَمَّا فَاتَتْ ضِمْنَ الشَّرِّ كُلِّهِ; فَقَدِ اجْتَمَعَ فِيهَا الْأَمْرُ بِهَا وَالْأَمْرُ بِتَرْكِهَا، وَلَا يُمْكِنُ فِيهِمَا الِانْفِكَاكُ وَإِنْ كَانَا مِنْ جِهَتَيْنِ ; لِأَنَّ الْوُقُوعَ يَسْتَلْزِمُ الِاجْتِمَاعَ، وَلَيْسَا كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ; لِأَنَّ الِانْفِكَاكَ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>