عَلَى الِاقْتِدَاءِ التَّامِّ وَالْفِرَارِ عَمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ، وَلِذَلِكَ جَعَلُوا طَرِيقَتَهُمْ مَبْنِيَّةً عَلَى: أَكْلِ الْحَلَالِ، وَاتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَالْإِخْلَاصِ.
وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ، وَلَكِنَّهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ يَسْتَحْسِنُونَ أَشْيَاءَ؛ لَمْ تَأْتِ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَلَا عَمِلَ بِأَمْثَالِهَا السَّلَفُ، فَيَعْمَلُونَ بِمُقْتَضَاهَا، وَيُثَابِرُونَ عَلَيْهَا، وَيُحَكِّمُونَهَا طَرِيقًا لَهُمْ مَهِيعًا وَسُنَّةً لَا تُخْلَفُ، بَلْ رُبَّمَا أَوْجَبُوهَا فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ، فَلَوْلَا أَنَّ فِي ذَلِكَ رُخْصَةً؛ لَمْ يَصِحَّ لَهُمْ مَا بَنَوْا عَلَيْهِ.
فَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَعْتَمِدُونَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ عَلَى: الْكَشْفِ، وَالْمُعَايَنَةِ، وَخَرْقِ الْعَادَةِ، فَيَحْكُمُونَ بِالْحِلِّ وَالْحُرْمَةِ، وَيُثْبِتُونَ عَلَى ذَلِكَ الْإِقْدَامَ وَالْإِحْجَامَ:
كَمَا يُحْكَى عَنِ الْمُحَاسَبِيِّ أَنَّهُ كَانَ إِذَا تَنَاوَلَ طَعَامًا فِي شُبْهَةٍ؛ يَنْبِضُ لَهُ عِرْقٌ فِي إِصْبَعِهِ، فَيَمْتَنِعُ مِنْهُ.
وَقَالَ الشِّبْلِيُّ: " اعْتَقَدْتُ وَقْتًا أَنْ لَا آكُلَ إِلَّا مِنْ حَلَالٍ، فَكُنْتُ أَدُورُ فِي الْبَرَارِيِّ، فَرَأَيْتُ شَجَرَةَ تِينٍ، فَمَدَدْتُ يَدَيْ إِلَيْهَا لِآكُلَ، فَنَادَتْنِي الشَّجَرَةُ: احْفَظْ عَلَيْكَ عَهْدَكَ، لَا تَأْكُلْ مِنِّي؛ فَإِنِّي لِيَهُودِيٍّ ".
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ الْخَوَّاصُ: " دَخَلْتُ خَرِبَةً فِي بَعْضِ الْأَسْفَارِ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ بِاللَّيْلِ، فَإِذَا فِيهَا سَبْعٌ عَظِيمٌ، فَخِفْتُ، فَهَتَفَ بِي هَاتِفٌ: اثْبُتْ! فَإِنَّ حَوْلَكَ سَبْعِينَ أَلْفَ مَلِكٍ يَحْفَظُونَكَ ".
فَمِثْلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ إِذَا عُرِضَتْ عَلَى قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ؛ ظَهَرَ عَدَمُ الْبِنَاءِ عَلَيْهَا، إِذِ الْمُكَاشَفَةُ أَوِ الْهَاتِفُ الْمَجْهُولُ أَوْ تَحْرِيكُ بَعْضِ الْعُرُوقِ لَا يَدُلُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute