للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَظَنٌّ لَا يَسْتَنِدُ إِلَى قَطْعِيٍّ، بَلْ إِمَّا مُسْتَنِدٌ إِلَى غَيْرِ شَيْءٍ أَصْلًا، وَهُوَ مَذْمُومٌ ـ كَمَا تَقَدَّمَ ـ، وَإِمَّا مُسْتَنِدٌ إِلَى ظَنٍّ مِثْلِهِ، فَلِذَلِكَ الظَّنُّ إِنِ اسْتَنَدَ أَيْضًا إِلَى قَطْعِيٍّ؛ فَكَالْأَوَّلِ، أَوْ إِلَى ظَنِيٍّ، رَجَعْنَا إِلَيْهِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَسْتَنِدَ إِلَى قَطْعِيٍّ، وَهُوَ مَحْمُودٌ، أَوْ إِلَى غَيْرِ شَيْءٍ، وَهُوَ مَذْمُومٌ.

فَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ؛ كُلُّ خَبَرِ وَاحِدٍ صَحَّ سَنَدُهُ، فَلَا بُدَّ مِنَ اسْتِنَادِهِ إِلَى أَصْلٍ فِي الشَّرِيعَةِ قَطْعِيٍّ، فَيَجِبُ قَبُولُهُ، وَمِنْ هُنَا قَبِلْنَاهُ مُطْلَقًا، كَمَا أَنَّ ظُنُونَ الْكُفَّارِ غَيْرُ مُسْتَنِدَةٍ إِلَى شَيْءٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ رَدِّهَا وَعَدَمِ اعْتِبَارِهَا، وَهَذَا الْجَوَابُ الْأَخِيرُ مُسْتَمَدٌّ مَنْ أَصْلٍ وَقَعَ بَسْطُهُ فِي كِتَابِ الْمُوَافَقَاتِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ.

وَلَقَدْ بَالَغَ بَعْضُ الضَّالِّينَ فِي رَدِّ الْأَحَادِيثِ، وَرَدِّ قَوْلِ مَنِ اعْتَمَدَ عَلَى مَا فِيهَا، حَتَّى عَدُّوا الْقَوْلَ بِهِ مُخَالِفًا لِلْعَقْلِ، وَالْقَائِلَ بِهِ مَعْدُودًا فِي الْمَجَانِينِ.

فَحَكَى أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ عَنْ بَعْضِ مَنْ لَقِيَ بِالْمَشْرِقِ مِنَ الْمُنْكِرِينَ لِلرُّؤْيَةِ: أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: هَلْ يَكْفُرُ مَنْ يَقُولُ بِإِثْبَاتِ رُؤْيَةِ الْبَارِي أَمْ لَا؟ فَقَالَ: " لَا! لِأَنَّهُ قَالَ بِمَا لَا يَعْقِلُ، وَمَنْ قَالَ بِمَا لَا يَعْقِلُ؛ لَا يَكْفُرُ "!

قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: " فَهَذِهِ مَنْزِلَتُنَا عِنْدَهُمْ، فَلِيَعْتَبِرِ الْمُوَفَّقُ بِمَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ اتِّبَاعُ الْهَوَى، أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ بِفَضْلِهِ ".

وَزَلَّ بَعْضُ الْمَرْمُوقِينَ فِي زَمَانِنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَزَعَمَ أَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ كُلَّهُ زَعْمٌ، وَهُوَ مَا حُكِيَ فِي الْأَثَرِ: بِئْسَ مَطِيَّةُ الرَّجُلِ زَعَمُوا،

<<  <  ج: ص:  >  >>