ضَعْفِهَا.
فَنَحْنُ نَقُولُ: كُلُّ عَمَلٍ يَشُقُّ الدَّوَامُ عَلَى مِثْلِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى زَيْدٍ؛ فَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، وَلَا يَشُقُّ عَلَى عُمَرَ؛ فَلَا يُنْهَى عَنْهُ.
فَنَحْنُ نَحْمِلُ مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْأَعْمَالِ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَاقًّا عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ مَا هُوَ أَقَلُّ مِنْهُ شَاقًّا عَلَيْنَا، فَلَيْسَ عَمَلُ مِثْلِهِمْ بِمَا عَمِلُوا بِهِ حُجَّةً لَنَا أَنْ نَدْخُلَ فِيمَا دَخَلُوا فِيهِ؛ إِلَّا بِشَرْطِ أَنْ يَمْتَدَّ مَنَاطُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْعَمَلُ لَا يَشُقُّ الدَّوَامُ عَلَى مِثْلِهِ.
وَلَيْسَ كَلَامُنَا فِي هَذَا لِمُشَاهَدَةِ الْجَمِيعِ، فَإِنَّ التَّوَسُّطَ وَالْأَخْذَ بِالرِّفْقِ هُوَ (الْأَوْلَى) وَالْأَحْرَى بِالْجَمِيعِ، وَهُوَ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَدِلَّةُ؛ دُونَ الْإِيغَالِ الَّذِي لَا يَسْهُلُ مِثْلُهُ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ وَلَا أَكْثَرِهِمْ؛ إِلَّا عَلَى الْقَلِيلِ النَّادِرِ مِنْهُمْ.
وَالشَّاهِدُ لِصِحَّةِ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَسْتُ كَهَيْئَتِكُمْ، إِنِّي أَبِيتُ عِنْدَ رَبِّي يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِي»؛ يُرِيدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَنَّهُ لَا يَشُقُّ عَلَيْهِ الْوِصَالُ، وَلَا يَمْنَعُهُ عَنْ قَضَاءِ حَقِّ اللَّهِ وَحُقُوقِ الْخَلْقِ.
فَعَلَى هَذَا؛ مَنْ رُزِقَ أُنْمُوذَجًا مِمَّا أُعْطِيَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَصَارَ يُوغِلُ فِي الْعَمَلِ مَعَ قُوَّتِهِ وَنَشَاطِهِ وَخِفَّةِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ؛ فَلَا حَرَجَ.
وَأَمَّا رَدُّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو؛ فَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَهِدَ بِأَنَّهُ لَا يُطِيقُ الدَّوَامَ، وَلِذَلِكَ وَقَعَ لَهُ مَا كَانَ مُتَوَقَّعًا، حَتَّى قَالَ: " لَيْتَنِي قَبِلْتُ رُخْصَةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute