رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اغْدُ بِي عَلَى أَخِي عَاصِمٍ، قَالَ: مَا بَالَهُ؟ قَالَ: لَبِسَ الْعَبَاءَ يُرِيدُ النَّسْكَ، فَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَلَيَّ بِهِ.
فَأُتِيَ بِهِ مُؤْتَزِرًا بِعَبَاءَةٍ، مُرْتَدِيًا بِالْأُخْرَى، شَعْثَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، فَعَبَسَ فِي وَجْهِهِ، وَقَالَ: وَيْحَكَ! أَمَا اسْتَحْيَيْتَ مِنْ أَهْلِكَ؟ أَمَا رَحِمْتَ وَلَدَكَ؟ أَتَرَى اللَّهَ أَبَاحَ لَكَ الطَّيِّبَاتِ وَهُوَ يَكْرَهُ أَنْ تَنَالَ مِنْهَا شَيْئًا؟ بَلْ أَنْتَ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ ذَلِكَ، أَمَا سَمِعْتَ اللَّهَ يَقُولُ فِي كِتَابِهِ: {وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا لِلْأَنَامِ} [الرحمن: ١٠]. . . . إِلَى قَوْلِهِ: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن: ٢٢]؟، أَفْتَرَى اللَّهُ أَبَاحَ هَذِهِ لِعِبَادِهِ إِلَّا لِيَبْتَذِلُوهُ وَيَحْمَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ، فَيُثَبِّتُهُمْ عَلَيْهِ؟ وَإِنَّ ابْتِذَالَكَ نِعَمَ اللَّهِ بِالْفِعْلِ خَيْرٌ مِنْهُ بِالْقَوْلِ.
قَالَ عَاصِمٌ: فَمَا بَالَكَ فِي خُشُونَةِ مَأْكِلِكَ وَخُشُونَةِ مَلْبَسِكَ، قَالَ: وَيْحَكَ! إِنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَى أَئِمَّةِ الْحَقِّ أَنْ يُقَدِّرُوا أَنْفُسَهُمْ بِضَعْفَةِ النَّاسِ.
فَتَأَمَّلُوا كَيْفَ لَمْ يُطَالِبِ اللَّهُ الْعِبَادَ بِتَرْكِ الْمَلْذُوذَاتِ! وَإِنَّمَا طَالَبَهُمْ بِالشُّكْرِ عَلَيْهَا إِذَا تَنَاوَلُوهَا، فَالْمُتَحَرِّي لِلِامْتِنَاعِ مَنْ تَنَاوَلَ مَا أَبَاحَهُ اللَّهُ مِنْ غَيْرِ مُوجِبٍ شَرْعِيٍّ مُفْتَاتٍ عَلَى الشَّارِعِ.
وَكُلُّ مَا جَاءَ عَنِ الْمُتَقَدِّمِينَ مِنْ الِامْتِنَاعِ عَنْ بَعْضِ الْمُتَنَاوَلَاتِ مِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعُوا مِنْهُ لِعَارِضٍ شَرْعِيٍّ يَشْهَدُ الدَّلِيلُ بِاعْتِبَارِهِ؛ كَالِامْتِنَاعِ مِنَ التَّوَسُّعِ لِضِيقِ الْحَالِ فِي يَدِهِ، أَوْ لِأَنَّ الْمُتَنَاوَلَ ذَرِيعَةٌ إِلَى مَا يُكْرَهُ أَوْ يُمْنَعُ، أَوْ لِأَنَّ فِي الْمُتَنَاوَلِ وَجْهُ شُبْهَةٍ تَفَطَّنَ إِلَيْهِ التَّارِكُ وَلَمْ يَتَفَطَّنْ إِلَيْهِ غَيْرُهُ مِمَّنْ عَلِمَ بِامْتِنَاعِهِ، وَقَضَايَا الْأَحْوَالِ لَا تُعَارِضُ الْأَدِلَّةَ بِمُجَرَّدِهَا؛
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute