للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثُمَّ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ اعْتِقَادُ الْعَوَامِّ فِيهَا وَمَنْ لَا عِلْمَ عِنْدِهِ أَنَّهَا سُنَّةٌ، وَهَذَا فَسَادٌ عَظِيمٌ؛ لِأَنَّ اعْتِقَادَ مَا لَيْسَ بِسُنَّةٍ سُنَّةً، وَالْعَمَلَ بِهَا عَلَى حَدِّ الْعَمَلِ بِالسُّنَّةِ؛ نَحْوٌ مِنْ تَبْدِيلِ الشَّرِيعَةِ؛ كَمَا لَوِ اعْتَقَدَ فِي الْفَرْضِ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ، أَوْ بِمَا لَيْسَ بِفَرْضٍ أَنَّهُ فَرْضٌ، ثُمَّ عَمِلَ وَفْقَ اعْتِقَادِهِ؛ فَإِنَّهُ فَاسِدٌ، فَهَبِ الْعَمَلَ فِي الْأَصْلِ صَحِيحًا؛ فَإِخْرَاجُهُ عَنْ بَابِهِ اعْتِقَادًا وَعَمَلًا مِنْ بَابِ إِفْسَادِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.

وَمِنْ هُنَا ظَهَرَ عُذْرُ السَّلَفِ الصَّالِحِ فِي تَرْكِهِمْ سُنَنًا قَصْدًا؛ لِئَلَّا يَعْتَقِدَ الْجَاهِلُ أَنَّهَا مِنَ الْفَرَائِضِ؛ كَالْأُضْحِيَّةِ وَغَيْرِهَا؛ كَمَا تَقَدَّمَ ذَلِكَ.

وَلِأَجْلِهِ أَيْضًا نَهَى أَكْثَرُهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ الْآثَارِ؛ كَمَا خَرَّجَ الطَّحَاوِيُّ وَابْنُ وَضَّاحٍ وَغَيْرُهُمَا عَنْ مَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ الْأَسَدِيِّ؛ قَالَ:

" وَافَيْتُ الْمَوْسِمَ مَعَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَلَمَّا انْصَرَفْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ؛ انْصَرَفْتُ مَعَهُ، فَلَمَّا صَلَّى لَنَا صَلَاةَ الْغَدَاةِ فَقَرَأَ فِيهَا: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ} [الفيل: ١]، وَ {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ} [قريش: ١]، ثُمَّ رَأَى نَاسًا يَذْهَبُونَ مَذْهَبًا، فَقَالَ: أَيْنَ يَذْهَبُ هَؤُلَاءِ؟ قَالُوا: يَأْتُونَ مَسْجِدًا هَاهُنَا صَلَّى فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِهَذَا؛ يَتَّبِعُونَ آثَارَ أَنْبِيَائِهِمْ، فَاتَّخَذُوهَا كَنَائِسَ وَبِيَعًا، مَنْ أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ فَلْيُصَلِّ فِيهَا، وَإِلَّا؛ فَلَا يَتَعَمَّدْهَا.

وَقَالَ ابْنُ وَضَّاحٍ: " سَمِعْتُ عِيسَى بْنَ يُونُسَ مُفْتِي أَهْلِ طَرَسُوسَ

<<  <  ج: ص:  >  >>