وَقَدِ احْتَوَتْ عَلَى فَرْضِ سُؤَالٍ وَالْجَوَابُ بِمَا تَقَدَّمَ.
وَتَقْرِيرُ السُّؤَالِ أَنْ يُقَالَ فِي الْبِدْعَةِ ـ مَثَلًا ـ: إِنَّهَا فِعْلٌ سَكَتَ الشَّارِعُ عَنْ حُكْمِهِ فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ، فَلَمْ يَحْكُمْ عَلَيْهِ بِحُكْمٍ عَلَى الْخُصُوصِ، فَالْأَصْلُ جَوَازُ فِعْلِهِ كَمَا أَنَّ الْأَصْلَ جَوَازُ تَرْكِهِ، إِذْ هُوَ مَعْنَى الْجَائِزِ، فَإِنْ كَانَ لَهُ أَصْلٌ جُمْلِيٌّ، فَأَحْرَى أَنْ يَجُوزَ فِعْلُهُ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى مَنْعِهِ أَوْ كَرَاهَتِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ؛ فَلَيْسَ هُنَا مُخَالَفَةٌ لِقَصْدِ الشَّارِعِ، وَلَا ثَمَّ دَلِيلٌ خَالَفَهُ هَذَا النَّظَرُ، بَلْ حَقِيقَةُ مَا نَحْنُ فِيهِ أَنَّهُ أَمْرٌ مَسْكُوتٌ عَنْهُ عِنْدَ الشَّارِعِ، وَالسُّكُوتُ عِنْدَ الشَّارِعِ لَا يَقْتَضِي مُخَالَفَةً وَلَا مُوَافَقَةً، وَلَا يُعَيِّنُ الشَّارِعُ قَصْدًا مَا دُونَ ضِدِّهِ وَخِلَافِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا؛ فَالْعَمَلُ بِهِ لَيْسَ بِمُخَالِفٍ إِذْ لَمْ يَثْبُتُ فِي الشَّرِيعَةِ نَهْيٌ عَنْهُ.
وَتَقْرِيرُ الْجَوَابِ: مَعْنَى مَا ذَكَرَهُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَهُوَ أَنَّ السُّكُوتَ عَنْ حُكْمِ الْفِعْلِ أَوِ التَّرْكِ هُنَا ـ إِذَا وُجِدَ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لَهُ ـ إِجْمَاعٌ مِنْ كُلِّ سَاكِتٍ عَلَى أَنْ لَا زَائِدَ عَلَى مَا كَانَ، إِذْ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَائِقًا شَرْعًا أَوْ سَائِغًا؛ لَفَعَلُوهُ، فَهُمْ كَانُوا أَحَقَّ بِإِدْرَاكِهِ وَالسَّبْقِ إِلَى الْعَمَلِ بِهِ، وَذَلِكَ إِذَا نَظَرْنَا إِلَى الْمَصْلَحَةِ؛ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُو إِمَّا أَنْ يَكُونَ فِي هَذِهِ الْأَحْدَاثِ مَصْلَحَةٌ أَوْ لَا، وَالثَّانِي لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ، وَالْأَوَّلُ إِمَّا أَنْ تَكُونَ تِلْكَ الْمَصْلَحَةُ الْحَادِثَةُ آكَدَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الْمَوْجُودَةِ فِي زَمَانِ التَّكْلِيفِ أَوْ لَا، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ [آكَدَ] مَعَ كَوْنِ الْمُحْدَثَةِ زِيَادَةَ تَكْلِيفٍ وَنَقْصُهُ عَنِ الْمُكَلَّفِ أَحْرَى بِالْأَزْمِنَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ؛ لِمَا يُعْلَمُ مِنْ قُصُورِ الْهِمَمِ وَاسْتِيلَاءِ الْكَسَلِ، وَلِأَنَّهُ خِلَافُ بَعْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْحَنَفِيَّةِ السَّمْحَةِ، وَرَفْعِ الْحَرَجِ عَنِ الْأُمَّةِ، وَذَلِكَ فِي تَكْلِيفِ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّ الْعَادَاتِ أَمْرٌ آخَرُ ـ كَمَا سَيَأْتِي وَقَدْ مَرَّ مِنْهُ ـ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا أَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute