أَبَا حَمْزَةَ! لَوْ دَعَوْتَ لَنَا بِدَعَوَاتٍ. . . فَقَالَ: اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، قَالَ: فَأَعَادَهَا مِرَارًا ثَلَاثًا، فَقَالَ يَا أَبَا حَمْزَةَ! لَوْ دَعَوْتَ. . . فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يَزِيدُ عَلَيْهِ.
فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا؛ فَلَا إِنْكَارَ فِيهِ، حَتَّى إِذَا دَخَلَ فِيهِ أَمْرٌ زَائِدٌ؛ صَارَ الدُّعَاءُ (فِيهِ) بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ مُخَالِفًا لِلسُّنَّةِ؛ فَقَدْ جَاءَ فِي دُعَاءِ الْإِنْسَانِ لِغَيْرِهِ الْكَرَاهِيَةُ عَنِ السَّلَفِ، لَا عَلَى حُكْمِ الْأَصَالَةِ، بَلْ بِسَبَبِ مَا يَنْضَمُّ إِلَيْهِ مِنَ الْأُمُورِ الْمُخْرِجَةِ عَنِ الْأَصْلِ، وَلِنَذْكُرَهُ هُنَا لِاجْتِمَاعِ أَطْرَافِ الْمَسْأَلَةِ فِي التَّنْبِيهِ عَلَى الدُّعَاءِ بِهَيْئَةِ الِاجْتِمَاعِ بِآثَارِ الصَّلَوَاتِ فِي الْجَمَاعَاتِ دَائِمًا.
فَخَرَّجَ الطَّبَرِيُّ عَنْ مُدْرِكِ بْنِ عِمْرَانَ؛ قَالَ: كَتَبَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ): فَادْعُ اللَّهَ لِي، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عُمَرُ: إِنِّي لَسْتُ بِنَبِيٍّ، وَلَكِنْ إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ؛ فَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ لِذَنْبِكَ.
فَإِبَايَةُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ لَيْسَ مِنْ جِهَةِ أَصْلِ الدُّعَاءِ، وَلَكِنْ مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى، وَإِلَّا تَعَارَضَ كَلَامُهُ مَعَ مَا تَقَدَّمَ، فَكَأَنَّهُ فَهِمَ مِنَ السَّائِلِ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الدُّعَاءِ، فَلِذَلِكَ قَالَ: لَسْتُ بِنَبِيٍّ.
وَيَدُلُّكَ عَلَى هَذَا مَا رُوِيَ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ الشَّامَ؛ أَتَاهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي، فَقَالَ: غَفَرَ اللَّهُ لَكَ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرٌ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرْ لِي، فَقَالَ: لَا غَفَرَ اللَّهُ لَكَ وَلَا لِذَاكَ، أَنَبِيٌّ أَنَا؟!
فَهَذَا أَوْضَحُ فِي أَنَّهُ فَهِمَ مِنَ السَّائِلِ أَمْرًا زَائِدًا، وَهُوَ أَنْ يَعْتَقِدَ فِيهِ أَنَّهُ مِثْلُ النَّبِيِّ، أَوْ أَنَّهُ وَسِيلَةٌ إِلَى أَنْ يَعْتَقِدَ ذَلِكَ، أَوْ يَعْتَقِدَ أَنَّهُ سُنَّةٌ تُلْزَمُ، أَوْ يَجْرِي فِي النَّاسِ مَجْرَى السُّنَنِ الْمُلْتَزِمَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute