وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ يَنْبَغِي أَنْ تَجْرِيَ الْعِبَادَاتُ الْمَشْرُوعَةُ إِذَا خُصَّتْ بِأَزْمَانٍ مَخْصُوصَةٍ بِالرَّأْيِ الْمُجَرَّدِ، مِنْ حَيْثُ فَهِمْنَا تَلَبُّسًا بِالْأَعْمَالِ عَلَى الْجُمْلَةِ، فَصَيْرُورَةُ ذَلِكَ الزَّائِدِ وَصْفًا فِيهِ مُخْرِجٌ لَهُ عَنْ أَصْلِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ الصِّفَةَ مَعَ الْمَوْصُوفِ مِنْ حَيْثُ هِيَ صِفَةٌ لَهُ لَا تُفَارِقُهُ هِيَ مِنْ جُمْلَتِهِ، وَذَلِكَ لِأَنَّا نَقُولُ: إِنَّ الصِّفَةَ هِيَ عَيْنُ الْمَوْصُوفِ إِذَا كَانَتْ لَازِمَةً لَهُ حَقِيقَةً أَوِ اعْتِبَارًا، وَلَوْ فَرَضْنَا ارْتِفَاعَهَا عَنْهُ؛ لَارْتَفَعَ الْمَوْصُوفُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَوْصُوفٌ بِهَا؛ كَارْتِفَاعِ الْإِنْسَانِ بِارْتِفَاعِ النَّاطِقِ أَوِ الضَّاحِكِ، فَإِذَا كَانَتِ الصِّفَةُ الزَّائِدَةُ عَلَى الْمَشْرُوعِ عَلَى هَذِهِ النِّسْبَةِ؛ صَارَ الْمَجْمُوعُ مِنْهُمَا غَيْرَ مَشْرُوعٍ، فَارْتَفَعَ اعْتِبَارُ الْمَشْرُوعِ الْأَصْلِيِّ.
وَمِنْ أَمْثِلَةِ ذَلِكَ أَيْضًا قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ بِالْإِدَارَةِ عَلَى صَوْتٍ وَاحِدٍ؛ فَإِنَّ تِلْكَ الْهَيْئَةَ زَائِدَةٌ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقِرَاءَةِ، وَكَذَلِكَ الْجَهْرُ الَّذِي اعْتَادَهُ أَرْبَابُ الزَّوَايَا.
وَرُبَّمَا لَطُفَ اعْتِبَارُ الصِّفَةِ، فَيَشُكُّ فِي بُطْلَانِ الْمَشْرُوعِيَّةِ؛ كَمَا وَقَعَ فِي " الْعُتْبِيَّةِ " عَنْ مَالِكٍ فِي مَسْأَلَةِ الِاعْتِمَادِ فِي الصَّلَاةِ لَا يُحَرِّكُ رِجْلَيْهِ، وَأَنَّ أَوَّلَ مَنْ أَحْدَثَهُ رَجُلٌ قَدْ عُرِفَ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ مُسَاءً (أَيْ: يُسَاءُ الثَّنَاءُ عَلَيْهِ)، فَقِيلَ لَهُ: أَفَعَيْبٌ؟ قَالَ: قَدْ عِيبَ عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَهَذَا مَكْرُوهٌ مِنَ الْفِعْلِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهَا أَنَّ الصَّلَاةَ بَاطِلَةٌ، وَذَلِكَ لِضَعْفِ وَصْفِ الِاعْتِمَادِ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي الصَّلَاةِ، وَلُطْفِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كَمَالِ هَيْئَتِهَا.
وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ النَّظَرُ فِي الْمَسْأَلَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى اتِّصَافِ الْعَمَلِ بِمَا يُؤَثِّرُ فِيهِ أَوْ لَا يُؤَثِّرُ فِيهِ، فَإِذَا غَلَبَ الْوَصْفُ عَلَى الْعَمَلِ؛ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى الْفَسَادِ، وَإِذَا لَمْ يَغْلِبْ؛ لَمْ يَكُنْ أَقْرَبَ، وَبَقِيَ فِي حُكْمِ النَّظَرِ، فَيَدْخُلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute