وَبِبَصَرٍ نَافِذٍ قَدْ كُفُوا وَهُمْ كَانُوا عَلَى كَشْفِ الْأُمُورِ أَقْوَى، وَبِفَضْلٍ كَانُوا فِيهِ أَحْرَى. فَلَئِنْ قُلْتُمْ: أَمْرٌ حَدَثَ بَعْدَهُمْ، مَا أَحْدَثَهُ بَعْدَهُمْ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَ غَيْرَ سُنَنِهِمْ، وَرَغِبَ بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ، إِنَّهُمْ لَهُمُ السَّابِقُونَ، فَقَدْ تَكَلَّمُوا مِنْهُ بِمَا يَكْفِي، وَوَصَفُوا مِنْهُ مَا يَشْفِي، فَمَا دُونَهُمْ مُقَصِّرٌ، وَمَا فَوْقَهُمْ مَحْسَرٌ، لَقَدْ قَصَرَ عَنْهُمْ آخَرُونَ [فَجَفَوْا، وَطَمِحَ عَنْهُمْ] فَغَلَوْا وَأَنَّهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ.
ثُمَّ خُتِمَ الْكِتَابُ بِحُكْمِ مَسْأَلَتِهِ.
فَقَوْلُهُ: " فَإِنَّ السُّنَّةَ إِنَّمَا سَنَّهَا مَنْ قَدْ عَرَفَ مَا فِي خِلَافِهَا " ; فَهُوَ مَقْصُودُ الِاسْتِشْهَادِ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّ الْمُبْتَدِعَ قَدْ نَزَّلَ نَفْسَهُ مَنْزِلَةَ الْمُضَاهِي لِلشَّارِعِ ; لِأَنَّ الشَّارِعَ وَضَعَ الشَّرَائِعَ، وَأَلْزَمَ الْخَلْقَ الْجَرْيَ عَلَى سُنَنِهَا، وَصَارَ هُوَ الْمُنْفَرِدَ بِذَلِكَ، لِأَنَّهُ حَكَمَ بَيْنَ الْخَلْقِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، وَإِلَّا فَلَوْ كَانَ التَّشْرِيعُ مِنْ مُدْرَكَاتِ الْخَلْقِ لَمْ تُنَزَّلِ الشَّرَائِعُ، وَلَمْ يَبْقَ الْخِلَافُ بَيْنَ النَّاسِ، وَلَا احْتِيجَ إِلَى بَعْثِ الرُّسُلِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
[فَـ] هَذَا الَّذِي ابْتَدَعَ فِي دِينِ اللَّهِ قَدْ صَيَّرَ نَفْسَهُ نَظِيرًا وَمُضَاهِيًا لِلشَّارِعِ، حَيْثُ شَرَعَ مَعَ الشَّارِعِ، وَفَتَحَ لِلِاخْتِلَافِ بَابًا، وَرَدَّ قَصْدَ الشَّارِعِ فِي الِانْفِرَادِ بِالتَّشْرِيعِ، وَكَفَى بِذَلِكَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute