للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيَقَعُ السُّؤَالُ: هَلْ لَهَا حُكْمٌ وَاحِدٌ أَمْ لَا؟ فَنَقُولُ: ثَبَتَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ الْأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ خَمْسَةٌ، نُخْرِجُ عَنْهَا الثَّلَاثَةُ، فَيَبْقَى حُكْمُ الْكَرَاهِيَةِ وَحُكْمُ التَّحْرِيمِ، فَاقْتَضَى النَّظَرُ انْقِسَامَ الْبِدَعِ إِلَى الْقِسْمَيْنِ، فَمِنْهَا بِدْعَةٌ مُحَرَّمَةٌ، وَمِنْهَا بِدْعَةٌ مَكْرُوهَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّهَا دَاخِلَةٌ تَحْتَ جِنْسِ الْمَنْهِيَّاتِ وَهِيَ لَا تَعْدُو الْكَرَاهَةَ وَالتَّحْرِيمَ، فَالْبِدَعُ كَذَلِكَ، هَذَا وَجْهٌ.

وَوَجْهٌ ثَانٍ: أَنَّ الْبِدَعَ إِذَا تُؤُمِّلَ مَعْقُولُهَا وُجِدَتْ رُتْبَتُهَا مُتَفَاوِتَةً، فَمِنْهَا مَا هُوَ كُفْرٌ صُرَاحٌ، كَبِدْعَةِ الْجَاهِلِيَّةِ الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا} [الأنعام: ١٣٦]، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ} [الأنعام: ١٣٩] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} [المائدة: ١٠٣]، وَكَذَلِكَ بِدْعَةُ الْمُنَافِقِينَ حَيْثُ اتَّخَذُوا الدِّينَ ذَرِيعَةً لِحِفْظِ النَّفْسِ وَالْمَالِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُشَكُّ أَنَّهُ كُفْرٌ صُرَاحٌ.

وَمِنْهَا مَا هُوَ مِنَ الْمَعَاصِي الَّتِي لَيْسَتْ بِكُفْرٍ أَوْ يُخْتَلَفُ؛ هَلْ هِيَ كُفْرٌ أَمْ لَا؟ كَبِدْعَةِ الْخَوَارِجِ وَالْقَدَرِيَّةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ مِنَ الْفِرَقِ الضَّالَّةِ.

- وَمِنْهَا مَا هُوَ مَعْصِيَةٌ، وَيُتَّفَقُ عَلَيْهَا، وَلَيْسَتْ بِكُفْرٍ كَبِدْعَةِ التَّبَتُّلَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>