للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: ٩]. وَقَوْلَهُ: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا} [النحل: ٥٨] الْآيَةَ.

وَهَذَا الْقَتْلُ مُحْتَمَلٌ أَنْ يَكُونَ دِينًا وَشِرْعَةً ابْتَدَعُوهَا، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَادَةً تَعَوَّدُوهَا، بِحَيْثُ لَمْ يَتَّخِذُوهَا شِرْعَةً، إِلَّا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَمَّهُمْ عَلَيْهَا فَلَا يُحْكَمُ عَلَيْهَا بِالْبِدْعَةِ بَلْ بِمُجَرَّدِ الْمَعْصِيَةِ، فَنَظَرْنَا هَلْ نَجِدُ لِأَحَدِ الْمُحْتَمَلَيْنِ عَاضِدًا يَكُونُ هُوَ الْأَوْلَى فِي حَمْلِ الْآيَاتِ عَلَيْهِ؟ فَوَجَدْنَا قَوْلَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {وَكَذَلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلَادِهِمْ شُرَكَاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ} [الأنعام: ١٣٧] فَإِنَّ الْآيَةَ صَرَّحَتْ أَنَّ لِهَذَا التَّزْيِينِ سَبَبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا الْإِرْدَاءُ وَهُوَ الْإِهْلَاكُ.

وَالْآخَرُ لَبْسُ الدِّينِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: {وَلِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ} [الأنعام: ١٣٧] وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِتَغْيِيرِهِ وَتَبْدِيلِهِ أَوِ الزِّيَادَةِ فِيهِ أَوِ النُّقْصَانِ مِنْهُ، وَهُوَ الِابْتِدَاعُ بِلَا إِشْكَالٍ، وَإِنَّمَا كَانَ دِينُهُمْ أَوَّلًا دِينَ أَبِيهِمْ (إِبْرَاهِيمَ) فَصَارَ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَا بَدَّلُوا فِيهِ، كَالْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَنَصْبِ الْأَصْنَامِ وَغَيْرِهَا، حَتَّى عُدَّ مِنْ جُمْلَةِ دِينِهِمُ الَّذِي يَدِينُونَ بِهِ.

وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى بَعْدُ: {فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} [الأنعام: ١١٢] فَنَسَبَهُمْ إِلَى الِافْتِرَاءِ ـ كَمَا تَرَى ـ وَالْعِصْيَانُ مِنْ حَيْثُ هُوَ عِصْيَانٌ لَا يَكُونُ افْتِرَاءً، وَإِنَّمَا يَقَعُ الِافْتِرَاءُ فِي نَفْسِ التَّشْرِيعِ فِي أَنَّ هَذَا الْقَتْلَ مِنْ جُمْلَةِ مَا جَاءَ مِنَ الدِّينِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>