وَفِي رِوَايَةٍ: نُهِينَا عَنِ التَّكَلُّفِ.
وَجَاءَ فِي قِصَّةِ صَبِيغٍ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنِ اللَّيْثِ أَنَّهُ ضَرَبَهُ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ لَهُ صَبِيغٌ: إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ قَتْلِي فَاقْتُلْنِي قَتْلًا جَمِيلًا، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تُدَاوِيَنِي فَقَدْ وَاللَّهِ بَرِئْتُ. فَأَذِنَ لَهُ إِلَى أَرْضِهِ، وَكَتَبَ إِلَى أَبَى مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ أَنْ لَا يُجَالِسَهُ أَحَدٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَاشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى الرَّجُلِ، فَكَتَبَ أَبُو مُوسَى إِلَى عُمَرَ أَنْ قَدْ حَسُنَتْ سَيِّئَتُهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ عَمَرُ أَنْ يَأْذَنَ لِلنَّاسِ بِمُجَالَسَتِهِ. وَالشَّوَاهِدُ فِي هَذَا الْمَعْنَى كَثِيرَةٌ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْهَيِّنَ عِنْدَ النَّاسِ مِنَ الْبِدَعِ شَدِيدٌ وَلَيْسَ بِهَيِّنٍ {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ} [النور: ١٥].
وَأَمَّا كَلَامُ الْعُلَمَاءِ فَإِنَّهُمْ وَإِنْ أَطْلَقُوا الْكَرَاهِيَةَ فِي الْأُمُورِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لَا يَعْنُونَ بِهَا كَرَاهِيَةَ التَّنْزِيهِ فَقَطْ، وَإِنَّمَا هَذَا اصْطِلَاحٌ لِلْمُتَأَخِّرِينَ حِينَ أَرَادُوا أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ الْقِبْلَتَيْنِ. فَيُطْلِقُونَ لَفْظَ الْكَرَاهِيَةِ عَلَى كَرَاهِيَةِ التَّنْزِيهِ فَقَطْ، وَيَخُصُّونَ كَرَاهِيَةَ التَّحْرِيمِ بِلَفْظِ التَّحْرِيمِ وَالْمَنْعِ، وَأَشْبَاهِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا الْمُتَقَدِّمُونَ مِنَ السَّلَفِ فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ مِنْ شَأْنِهِمْ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ صَرِيحًا أَنْ يَقُولُوا: هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ. وَيَتَحَامَوْنَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ خَوْفًا مِمَّا فِي الْآيَةِ مِنْ قَوْلِهِ: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل: ١١٦] وَحَكَى مَالِكٌ عَمَّنْ تَقَدَّمَهُ هَذَا الْمَعْنَى. فَإِذَا وُجِدَتْ فِي كَلَامِهِمْ فِي الْبِدْعَةِ أَوْ غَيْرِهَا: أَكْرَهُ هَذَا، وَلَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute