للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ وَحَرَّمُوا مَا رَزَقَهُمُ اللَّهُ افْتِرَاءً عَلَى اللَّهِ قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [الأنعام: ١٤٠]. وَهَذَا كُلُّهُ لِاتِّبَاعِ أَهْوَائِهِمْ فِي التَّشْرِيعِ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ.

وَقَالَ: {مَا جَعَلَ اللَّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [المائدة: ١٠٣]، وَهُوَ اتِّبَاعُ الْهَوَى فِي التَّشْرِيعِ، إِذْ حَقِيقَتُهُ افْتِرَاءٌ عَلَى اللَّهِ. وَقَالَ: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ} [الجاثية: ٢٣] أَيْ لَا يَهْدِيهِ دُونَ اللَّهِ شَيْءٌ. وَذَلِكَ بِالشَّرْعِ لَا بِغَيْرِهِ، وَهُوَ الْهُدَى.

وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا، وَأَنَّ الْأَمْرَ دَائِرٌ بَيْنَ الشَّرْعِ وَالْهَوَى، تَزَلْزَلَتْ قَاعِدَةُ حُكْمِ الْعَقْلِ الْمُجَرَّدِ، فَكَأَنَّهُ لَيْسَ لِلْعَقْلِ فِي هَذَا الْمَيْدَانِ مَجَالٌ إِلَّا مِنْ تَحْتِ نَظَرِ الْهَوَى، فَهُوَ إِذًا اتِّبَاعُ الْهَوَى بِعَيْنِهِ فِي تَشْرِيعِ الْأَحْكَامِ.

وَدَعِ النَّظَرَ الْعَقْلِيَّ فِي الْمَعْقُولَاتِ الْمَحْضَةِ، فَلَا كَلَامَ فِيهِ هُنَا، وَإِنْ كَانَ أَهْلُهُ قَدْ زَلُّوا أَيْضًا بِالِابْتِدَاعِ; فَإِنَّمَا زَلُّوا مِنْ حَيْثُ وُرُودِ الْخِطَابِ وَمِنْ حَيْثُ التَّشْرِيعِ.

وَلِذَلِكَ عُذِرَ الْجَمِيعُ قَبْلَ إِرْسَالِ الرُّسُلِ، أَعْنِي: فِي خَطَئِهِمْ فِي التَّشْرِيعَاتِ وَالْعَقْلِيَّاتِ، حَتَّى جَاءَتِ الرُّسُلُ، فَلَمْ يَبْقَ لِأَحَدٍ حُجَّةٌ يَسْتَقِيمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>