للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِلَى مَا هُوَ أَكْبَرُ مِنْهُ.

وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ قَدْ سَبَقَ إِلَيْهَا إِمَامَ الْحَرَمَيْنِ لَكِنْ فِي انْقِسَامِ الْمَعَاصِي إِلَى الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ فَقَالَ: الْمَرَضِيُّ عِنْدَنَا أَنَّ كُلَّ ذَنَبٍ كَبِيرٌ وَعَظِيمٌ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مُخَالَفَةِ اللَّهِ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ: مَعْصِيَةُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَعْصِيَةِ الْعِبَادِ، قَوْلًا مُطْلَقًا، إِلَّا أَنَّهَا وَإِنْ عَظُمَتْ لِمَا ذَكَرْنَاهُ، فَإِذَا نُسِبَ بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ تَفَاوَتَتْ رُتَبُهَا. ثُمَّ ذَكَرَ مَعْنًى مَا تَقَدَّمَ، وَلَمْ يُوَافِقْهُ غَيْرُهُ عَلَى مَا قَالَ وَإِنْ كَانَ لَهُ وَجْهٌ فِي النَّظَرِ وَقَعَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ فِي كِتَابِ الْمُوَافِقَاتِ. وَلَكِنَّ الظَّاهِرَ يَأْبَى ذَلِكَ ـ حَسْبَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ ـ وَالظَّوَاهِرُ فِي الْبِدَعِ لَا تَأْبَى كَلَامَ الْإِمَامِ إِذَا نَزَلَ عَلَيْهَا ـ حَسْبَمَا تَقَدَّمَ ـ فَصَارَ اعْتِقَادُ الصَّغَائِرِ فِيهَا يَكَادُ يَكُونُ مِنَ الْمُتَشَابِهَاتِ، كَمَا صَارَ اعْتِقَادُ نَفْيِ الْكَرَاهِيَةِ التَّنْزِيهُ عَنْهَا مِنَ الْوَاضِحَاتِ.

فَلْيَتَأَمَّلْ هَذَا الْمَوْضِعَ أَشَدَّ التَّأَمُّلِ وَيُعْطِ مِنَ الْإِنْصَافِ حَقَّهُ، وَلَا يَنْظُرْ إِلَى خِفَّةِ الْأَمْرِ فِي الْبِدْعَةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى صُورَتِهَا وَإِنْ دَقَّتْ، بَلْ يَنْظُرُ إِلَى مُصَادَمَتِهَا لِلشَّرِيعَةِ وَرَمْيِهَا لَهَا بِالنَّقْصِ وَالِاسْتِدْرَاكِ، وَأَنَّهَا لَمْ تُكَمَّلْ بَعْدُ حَتَّى يُوضَعَ فِيهَا، بِخِلَافِ سَائِرِ الْمَعَاصِي فَإِنَّهَا لَا تَعُودُ عَلَى الشَّرِيعَةِ بِتَنْقِيصٍ وَلَا غَضٍّ مِنْ جَانِبِهَا، بَلْ صَاحِبُ الْمَعْصِيَةِ مُتَنَصِّلٌ مِنْهَا، مُقِرٌّ لِلَّهِ بِمُخَالَفَتِهِ لِحُكْمِهَا.

وَحَاصِلُ الْمَعْصِيَةِ أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ فِي فِعْلِ الْمُكَلَّفِ لِمَا يُعْتَقَدُ صِحَّتَهُ مِنَ الشَّرِيعَةِ. وَالْبِدْعَةُ حَاصِلُهَا مُخَالَفَةٌ فِي اعْتِقَادِ كَمَالِ الشَّرِيعَةِ، وَلِذَلِكَ قَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>