للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ جِدًّا، إِذْ لَا فَرْقَ فِي التَّحْقِيقِ بَيْنَ الْمُوَاجَهَتَيْنِ ـ الْمُوَاجَهَةُ بِالْكَبِيرَةِ، وَالْمُوَاجَهَةُ بِالصَّغِيرَةِ.

وَالْمَعْصِيَةُ مِنْ حَيْثُ هِيَ مَعْصِيَةٌ لَا يُفَارِقُهَا النَّظَرَانِ فِي الْوَاقِعِ أَصْلًا، لِأَنَّ تَصَوُّرَهَا مَوْقُوفٌ عَلَيْهِمَا، فَالِاسْتِعْظَامُ لِوُقُوعِهَا مَعَ كَوْنِهَا يُعْتَقَدُ فِيهَا أَنَّهَا صَغِيرَةٌ لَا يَتَنَافَيَانِ، لِأَنَّهُمَا اعْتِبَارَانِ مِنْ جِهَتَيْنِ: فَالْعَاصِي وَإِنْ كَانَ يَعْمَلُ الْمَعْصِيَةَ لَمْ يَقْصِدْ بِتَعَمُّدِهِ الِاسْتِهَانَةَ بِالْجَانِبِ الْعَلِيِّ الرَّبَّانِيِّ، وَإِنَّمَا قَصَدَ اتِّبَاعِ شَهْوَتِهِ مَثَلًا فِيمَا جَعَلَهُ الشَّارِعُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، فَيَقَعُ الْإِثْمُ عَلَى حَسَبِهِ، كَمَا أَنَّ الْبِدْعَةَ لَمْ يَقْصِدْ بِهَا صَاحِبُهَا مُنَازَعَةَ الشَّارِعِ وَلَا التَّهَاوُنَ بِالشَّرْعِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ الْجَرْيَ عَلَى مُقْتَضَاهُ، لَكِنْ بِتَأْوِيلٍ زَادَهُ وَرَجَّحَهُ عَلَى غَيْرِهِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا تَهَاوَنَ بِصِغَرِهَا فِي الشَّرْعِ فَإِنَّهُ إِنَّمَا تَهَاوَنَ بِمُخَالَفَةِ الْمَلِكِ الْحَقِّ، لِأَنَّ النَّهْيَ حَاصِلٌ وَمُخَالَفَتُهُ حَاصِلَةٌ، وَالتَّهَاوُنُ بِهَا عَظِيمٌ، وَلِذَلِكَ يُقَالُ: لَا تَنْظُرْ إِلَى صِغَرِ الْخَطِيئَةِ وَانْظُرْ إِلَى عَظَمَةِ مَنْ وَاجَهْتَهُ بِهَا.

وَفِي الصَّحِيحِ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: أَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَالُوا: يَوْمُ الْحَجِّ الْأَكْبَرُ، قَالَ: فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ بَيْنَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمُكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ، أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ، أَلَا وَإِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ يَئِسَ أَنْ يُعْبَدَ فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَبَدًا، وَلَا تَكُونُ لَهُ طَاعَةٌ فِيمَا تَحْتَقِرُونَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ فَسَيَرْضَى بِهِ»، فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: فَسَيَرْضَى بِهِ دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ الْخَطْبِ فِيمَا

<<  <  ج: ص:  >  >>