الَّذِي يُحْمَلَ عَلَيْهِ الْعَامَّةُ وَيُؤْخَذُونَ بِهِ وَتُوَجَّهُ عَلَى الْمُمْتَنِعِ مِنْهُ الْعُقُوبَةُ، كَمَا فِي أَخْذِ زَكَاةِ الْمَوَاشِي وَالْحَرْثِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ.
فَأَمَّا الثَّانِي فَظَاهِرٌ أَنَّهُ بِدْعَةٌ، إِذْ هُوَ تَشْرِيعُ زَائِدٌ، وَإِلْزَامٌ لِلْمُكَلَّفِينَ يُضَاهِي إِلْزَامَهُمُ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَالدِّيَاتِ الْمَضْرُوبَةَ، وَالْغَرَامَاتِ الْمَحْكُومِ بِهَا فِي أَمْوَالِ الْغُصَّابِ وَالْمُعْتَدِينَ، بَلْ صَارَ فِي حَقِّهِمْ كَالْعِبَادَاتِ الْمَفْرُوضَةِ، وَاللَّوَازِمِ الْمَحْتُومَةِ، أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَمِنْ هَذِهِ الْجِهَةِ يَصِيرُ بِدْعَةً بِلَا شَكٍّ، لِأَنَّهُ شَرْعٌ مُسْتَدْرَكٌ وَسُنَنٌ فِي التَّكْلِيفِ مَهِيعٌ.
فَتَصِيرُ الْمُكُوسُ - عَلَى هَذَا الْفَرْضِ - لَهَا نَظَرَانِ: نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا مُحَرَّمَةً عَلَى الْفَاعِلِ أَنْ يَفْعَلَهَا كَسَائِرِ أَنْوَاعِ الظُّلْمِ، وَنَظَرٌ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا اخْتِرَاعًا لِتَشْرِيعٍ يُؤْخَذُ بِهِ النَّاسُ إِلَى الْمَوْتِ كَمَا يُؤْخَذُونَ بِسَائِرِ التَّكَالِيفِ، فَاجْتَمَعَ فِيهَا نَهْيَانِ: نَهْيٌ عَنِ الْمَعْصِيَةِ، وَنَهْيٌ عَنِ الْبِدْعَةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مَوْجُودًا فِي الْبِدَعِ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَإِنَّمَا يُوجَدُ بِهِ النَّهْيُ مِنْ جِهَةِ كَوْنِهَا تَشْرِيعًا مَوْضُوعًا عَلَى النَّاسِ أَمْرَ وُجُوبٍ أَوْ نَدْبٍ، إِذْ لَيْسَ فِيهِ جِهَةٌ أُخْرَى يَكُونُ بِهَا مَعْصِيَةً، بَلْ نَفْسُ التَّشْرِيعِ هُوَ نَفْسُ الْمَمْنُوعِ.
- وَكَذَلِكَ تَقْدِيمُ الْجُهَّالِ عَلَى الْعُلَمَاءِ، وَتَوْلِيَةُ الْمَنَاصِبِ الشَّرِيفَةِ مَنْ لَا يَصْلُحُ بِطَرِيقِ التَّوْرِيثِ، هُوَ مِنْ قَبِيلِ مَا تَقَدَّمَ، فَإِنَّ جَعْلَ الْجَاهِلِ فِي مَوْضِعِ الْعَالِمِ حَتَّى يَصِيرَ مُفْتِيًا فِي الدِّينِ، وَمَعْمُولًا بِقَوْلِهِ فِي الْأَمْوَالِ وَالدِّمَاءِ وَالْأَبْضَاعِ وَغَيْرِهَا، مُحَرَّمٌ فِي الدِّينِ، وَكَوْنُ ذَلِكَ يُتَّخَذُ دَيْدَنًا حَتَّى يَصِيرَ الِابْنُ مُسْتَحِقًّا لِرُتْبَةِ الْأَبِ ـ وَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الْأَبِ فِي ذَلِكَ الْمَنْصِبِ ـ بِطَرِيقِ الْوِرَاثَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، بِحَيْثُ يَشِيعُ هَذَا الْعَمَلُ وَيَطَّرِدُ وَيَرِدُهُ النَّاسُ؛ كَالشَّرْعِ الَّذِي لَا يُخَالَفُ؛ بِدَعَةً بِلَا إِشْكَالٍ، زِيَادَةً إِلَى الْقَوْلِ بِالرَّأْيِ غَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute