عَلَيْهِ الْمُوسِرِ بِالْقَرْضِ إِلَى أَنْ يُرْبِحَهُ فِي الْمِائَةِ مَا أَحَبَّ، فَيَبِيعُهَا ثَمَنُ الْمِائَةِ بِضَعْفِهَا أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ، فَفَسَّرَ بَيْعُ الْمُضْطَرِّ بِبَيْعِ الْعِينَةِ، وَبَيْعُ الْعِينَةِ إِنَّمَا هُوَ الْعَيْنُ بِأَكْثَرَ مِنْهَا إِلَى أَجَلٍ ـ حَسْبَمَا هُوَ مَبْسُوطٌ فِي الْفِقْهِيَّاتِ ـ فَقَدْ صَارَ الشُّحُّ إِذًا سَبَبًا فِي دُخُولِ هَذِهِ الْمَفَاسِدِ فِي الْبُيُوعِ.
فَإِنْ قِيلَ: كَلَامُنَا فِي الْبِدْعَةِ فِي فَسَادِ الْمَعْصِيَةِ، لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ بُيُوعٌ فَاسِدَةٌ فَصَارَتْ مِنْ بَابٍ آخَرَ لَا كَلَامَ لَنَا فِيهِ.
فَالْجَوَابُ: أَنَّ مَدْخَلَ الْبِدْعَةِ هَاهُنَا مِنْ بَابِ الِاحْتِيَالِ الَّذِي أَجَازَهُ بَعْضُ النَّاسِ، فَقَدْ عَدَّهُ الْعُلَمَاءُ مِنَ الْبِدَعِ الْمُحْدَثَاتِ، حَتَّى قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي كِتَابٍ وُضِعَ فِي الْحِيَلِ: مَنْ وَضَعَ هَذَا فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ سَمِعَ بِهِ فَرَضِيَ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ حَمَلَهُ مِنْ كُورَةٍ إِلَى كُورَةٍ فَهُوَ كَافِرٌ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ فَرَضِيَ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، وَذَلِكَ أَنَّهُ وَقَعَ فِيهِ الِاحْتِيَالَاتُ بِأَشْيَاءَ مُنْكَرَةٍ، حَتَّى احْتَالَ عَلَى فِرَاقِ الزَّوْجَةِ زَوْجَهَا بِأَنْ تَرْتَدَّ.
وَقَالَ إِسْحَاقُ ابْنُ رَاهَوَيْهِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ: أَنَّ ابْنَ الْمُبَارَكَ قَالَ فِي قِصَّةِ بِنْتِ أَبِي رَوْحٍ حَيْثُ أُمِرَتْ بِالِارْتِدَادِ، وَذَلِكَ فِي أَيَّامِ أَبِي غَسَّانَ: فَذَكَرَ شَيْئًا. ثُمَّ قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ وَهُوَ مُغَضَّبٌ: أَحْدَثُوا فِي الْإِسْلَامِ، وَمَنْ كَانَ أَمَرَ بِهَذَا فَهُوَ كَافِرٌ. وَمَنْ كَانَ هَذَا الْكِتَابُ عِنْدَهُ أَوْ فِي بَيْتِهِ لِيَأْمُرَ به أَوْ صَوَّبَهُ وَلَمْ يَأْمُرْ بِهِ فَهُوَ كَافِرٌ، ثُمَّ قَالَ ابْنُ المُبَارَكٍ: مَا أَرَى الشَّيْطَانَ يُحْسِنُ مِثْلَ هَذَا، حَتَّى جَاءَ هَؤُلَاءِ فَأَفَادَهَا مِنْهُمْ فَأَشَاعَهَا حِينَئِذٍ، وَلَوْ كَانَ يُحْسِنُهَا لَمْ يَجِدْ مَنْ يُمْضِيهَا فِيهِمْ، حَتَّى جَاءَ هَؤُلَاءِ.
وَإِنَّمَا وُضِعَ هَذَا الْكِتَابُ وَأَمْثَالُهُ لِيَكُونَ حُجَّةً عَلَى زَعْمِهِمْ فِي أَنْ يَحْتَالُوا لِلْحَرَامِ حَتَّى يَصِيرَ حَلَالًا، وَلِلْوَاجِبِ حَتَّى يَكُونَ غَيْرَ وَاجِبٍ. وَمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute