وَلَمْ يَزَلِ الْعُلَمَاءُ مِنَ السَّلَفِ الصَّالِحِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ يَتَحَفَّظُونَ مِنْ أَمْثَالِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ، حَتَّى كَانُوا يَتْرُكُونَ السُّنَنَ، خَوْفًا مِنِ اعْتِقَادِ الْعَوَامِّ أَمْرًا هُوَ أَشَدُّ مِنْ تَرْكِ السُّنَنِ، وَأَوْلَى أَنْ يَتْرُكُوا الْمُبَاحَاتِ أَنْ لَا يُعْتَقَدَ فِيهَا أَمْرٌ لَيْسَ بِمَشْرُوعٍ، وَقَدْ مَرَّ بَيَانُ هَذَا فِي بَابِ الْبَيَانِ مِنْ كِتَابِ الْمُوَافَقَاتِ.
فَقَدْ ذَكَرُوا أَنَّ عُثْمَانَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ كَانَ لَا يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ فَيُقَالُ لَهُ: أَلَيْسَ قَدْ قَصَرْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى وَلَكِنِّي إِمَامُ النَّاسِ فَيَنْظُرُ إِلَيَّ الْأَعْرَابُ وَأَهْلُ الْبَادِيَةِ أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ فَيَقُولُونَ: هَكَذَا فُرِضَتْ.
قَالَ الطَّرْطُوشِيُّ: تَأَمَّلُوا رَحِمَكُمُ اللَّهُ! فَإِنَّ فِي الْقَصْرِ قَوْلَيْنِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ: مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: فَرِيضَةٌ، وَمَنْ أَتَمَّ فَإِنَّمَا يُتِمُّ وَيُعِيدُ أَبَدًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: سُنَّةٌ، يُعِيدُ مَنْ أَتَمَّ فِي الْوَقْتِ، ثُمَّ اقْتَحَمَ عُثْمَانُ تَرْكَ الْفَرْضِ أَوِ السُّنَّةِ لَمَّا خَافَ مِنْ سُوءِ الْعَاقِبَةِ أَنْ يَعْتَقِدَ النَّاسُ أَنَّ الْفَرْضَ رَكْعَتَانِ.
وَكَانَ الصَّحَابَةُ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ ـ لَا يُضَحُّونَ (يَعْنِي أَنَّهُمْ لَا يَلْتَزِمُونَ الْأُضْحِيَّةَ).
قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ أَسَدٍ: شَهِدْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ لَا يُضَحِّيَانِ مَخَافَةَ أَنْ يُرَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ.
وَقَالَ بِلَالٌ: لَا أُبَالِي أَنْ أُضَحِّيَ بِكَبْشَيْنِ أَوْ بِدِيكٍ.
وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ـ أَنَّهُ كَانَ يَشْتَرِي لَحْمًا بِدِرْهَمٍ يَوْمَ الْأَضْحَى، وَيَقُولُ لِعِكْرِمَةَ: مَنْ سَأَلَكَ فَقُلْ هَذِهِ أُضْحِيَّةُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: إِنِّي لَأَتْرُكُ أُضْحِيَّتِي ـ وَإِنِّي لَمِنْ أَيْسَرِكُمْ ـ مَخَافَةَ أَنْ يُظَنَّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute