للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَانَ شَهْرُ رَمَضَانَ ـ وَإِنْ كَانَ قَدْ أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ـ وَلَمْ يَكُنْ أَيَّامَ الْجُمَعِ، وَإِنْ كَانَتْ خَيْرَ أَيَّامٍ طَلَعَتْ عَلَيْهَا الشَّمْسُ، أَوْ كَانَ الصِّيَامُ أَكْثَرَ مِنْ شَهْرٍ أَوْ أَقَلَّ. ثُمَّ الْحَجُّ أَكْثَرَ تَعَبُّدًا مِنَ الْجَمِيعِ.

وَهَكَذَا تَجِدُ عَامَّةَ التَّعَبُّدَاتِ فِي كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ. فَاعْلَمُوا أَنَّ فِي هَذَا الِاسْتِقْرَاءِ مَعْنًى يُعْلَمُ مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ أَنَّهُ قَصَدَ قَصْدَهُ وَنَحَا نَحْوَهُ وَاعْتُبِرَتْ جِهَتُهُ، وَهُوَ أَنَّ مَا كَانَ مِنَ التَّكَالِيفِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ فَإِنَّ قَصْدَ الشَّارِعِ أَنْ يُوقِفَ عِنْدَهُ وَيَعْزِلَ عَنْهُ النَّظَرَ الِاجْتِهَادِيَّ جُمْلَةً، وَأَنْ يُوكَلَ إِلَى وَاضِعِهِ وَيُسَلَّمَ لَهُ فِيهِ، وَسَوَاءٌ عَلَيْنَا أَقُلْنَا: إِنَّ التَّكَالِيفَ مُعَلَّلَةٌ بِمَصَالِحِ الْعِبَادِ، أَمْ لَمْ نَقُلْهُ: اللَّهُمَّ إِلَّا قَلِيلًا مِنْ مَسَائِلِهَا ظَهَرَ فِيهَا مَعْنًى فَهِمْنَاهُ مِنَ الشَّرْعِ فَاعْتَبَرْنَا بِهِ أَوْ شَهِدْنَا فِي بَعْضِهَا بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَالْمَسْكُوتِ عَنْهُ، فَلَا حَرَجَ حِينَئِذٍ فَإِنْ أَشْكَلَ الْأَمْرُ، فَلَا بُدَّ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى ذَلِكَ الْأَصْلِ، فَهُوَ الْعُرْوَةُ الْوُثْقَى لِلْمُتَفَقِّهِ فِي الشَّرِيعَةِ وَالْوِزْرِ الْأَحْمَى.

وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَالَ حُذَيْفَةُ ـ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ـ: كُلُّ عِبَادَةٍ لَمْ يَتَعَبَّدْهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَا تَعَبَّدُوهَا فَإِنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَدَعْ لِلْآخِرِ مَقَالًا، فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا مَعْشَرَ الْقُرَّاءِ، وَخُذُوا بِطَرِيقِ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ وَنَحْوِهُ لِابْنِ مَسْعُودٍ أَيْضًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ كَثِيرٌ.

وَلِذَلِكَ الْتَزَمَ مَالِكٌ فِي الْعِبَادَاتِ عَدَمَ الِالْتِفَاتِ إِلَى الْمَعَانِي وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>