للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَحَادِيثِ، إِمَّا لِأَنَّهَا صَحَّتْ عِنْدَهُ أَوْ صَحَّ مِنْهَا عِنْدَهُ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ مَعَانِيهَا، كَحَدِيثِ:

«الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ» إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ صَحِيحٌ خَرَّجَهُ الْإِمَامَانِ. وَلَكِنَّهُ لَمْ يَعْمَلْهَا فِي كُلٍّ مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، إِذْ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي تَشْرِيعِ الْأَعْمَالِ وَإِحْدَاثِ التَّعَبُّدَاتِ، فَلَا يُقَالُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِحْدَاثِ الْأَعْمَالِ: إِذَا اطْمَأَنَّتْ نَفْسُكَ إِلَى هَذَا الْعَمَلِ فَهُوَ بِرٌّ، أَوِ: اسْتَفْتِ قَلْبِكَ فِي إِحْدَاثِ هَذَا الْعَمَلِ، فَإِنِ اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ نَفْسُكَ فَاعْمَلْ بِهِ وَإِلَّا فَلَا.

وَكَذَلِكَ فِي النِّسْبَةِ إِلَى التَّشْرِيعِ التُّرْكِيِّ، لَا يَتَأَتَّى تَنْزِيلُ مَعَانِي الْأَحَادِيثِ عَلَيْهِ بِأَنْ يُقَالَ: إِنِ اطْمَأَنَّتْ نَفْسُكَ إِلَى تَرْكِ الْعَمَلِ الْفُلَانِيِّ فَاتْرُكْهُ، وَإِلَّا فَدَعْهُ. أَيْ فَدَعِ التَّرْكَ وَاعْمَلْ بِهِ. وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إِعْمَالُ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَا أَعْمَلَ فِيهِ قَوْلَهَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: «الْحَلَالُ بَيِّنٌ وَالْحَرَامُ بَيِّنٌ.» الْحَدِيثَ.

وَمَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْعَادَاتِ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالنِّكَاحِ وَاللِّبَاسِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِي هَذَا الْمَعْنَى، فَمِنْهُ مَا هُوَ بَيِّنُ الْحِلِّيَّةِ وَمَا هُوَ بَيِّنُ التَّحْرِيمِ، وَمَا فِيهِ إِشْكَالٌ، وَهُوَ الْأَمْرُ الْمُشْتَبَهُ الَّذِي لَا يُدْرَى أَحَلَالٌ هُوَ أَمْ حَرَامٌ؟ فَإِنَّ تَرْكَ الْإِقْدَامِ أَوْلَى مِنَ الْإِقْدَامِ مَعَ جَهَلَةٍ بِحَالِهِ، نَظِيرَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنِّي لِأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي، فَلَوْلَا أَنِّي أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا»، فَهَذِهِ التَّمْرَةُ لَا شَكَّ أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ إِحْدَى الْحَالَيْنِ: إِمَّا مِنَ الصَّدَقَةِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَيْهِ، وَإِمَّا مِنْ غَيْرِهَا وَهِيَ حَلَالٌ لَهُ، فَتَرَكَ أَكْلَهَا حَذَرًا مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>