للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَأْيُ الْأَئِمَّةِ آبَائِهِ؟ فَقَالَ لَهُمْ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى: نَاشَدْتُكُمُ اللَّهَ الْعَظِيمَ! أَلَمْ تَنْزِلْ بِأَحَدٍ مِنْكُمْ مَلَمَّةٌ بَلَغَتْ بِكُمْ أَنْ أَخَذْتُمْ فِيهَا بِغَيْرِ قَوْلِ مَالِكٍ فِي خَاصَّةِ أَنْفُسِكُمْ. وَأَرْخَصْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فِي ذَلِكَ؟ قَالُوا: بَلَى! قَالَ: فَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَوْلَى بِذَلِكَ، فَخُذُوا بِهِ مَأْخَذَكُمْ، وَتَعَلَّقُوا بِقَوْلِ مَنْ يُوَافِقُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ فَكُلُّهُمْ قُدْوَةٌ. فَسَكَتُوا. فَقَالَ لِلْقَاضِي: أَنْهِ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فُتْيَايَ.

فَكَتَبَ الْقَاضِي إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِصُورَةِ الْمَجْلِسِ، وَبَقِيَ مَعَ أَصْحَابِهِ بِمَكَانِهِمْ إِلَى أَنْ أَتَى الْجَوَابُ بِأَنْ يُؤْخَذَ لَهُ بِفُتْيَا مُحَمَّدِ بْنِ لُبَابَةَ، وَيُنَفَّذَ ذَلِكَ وَيُعَوَّضَ الْمَرْضَى مِنْ هَذَا الْمِجْشَرِ بِأَمْلَاكٍ ثَمِينَةٍ عَجَبٍ، وَكَانَتْ عَظِيمَةَ الْقَدْرِ جِدًّا، تَزِيدُ أَضْعَافًا عَلَى الْمِجْشَرِ. ثُمَّ جِيءَ بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ إِلَى ابْنِ لُبَابَةٍ بِوِلَايَةِ خُطَّةِ الْوَثَائِقِ لِيَكُونَ هُوَ الْمُتَوَلِّيَ لِعَقْدِ هَذِهِ الْمُعَاوَضَةِ، فَهَنِئَ بِالْوِلَايَةِ، وَأَمْضَى الْقَاضِي الْحُكْمَ بِفَتْوَاهُ وَأَشْهَدَ عَلَيْهِ وَانْصَرَفُوا، فَلَمْ يَزَلِ ابْنُ لُبَابَةَ يَتَقَلَّدُ خُطَّةَ الْوَثَائِقِ وَالشُّورَى إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ ٣٣٦ سِتٍّ وَثَلَاثِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ.

قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: ذَاكَرْتُ بَعْضَ مَشَايِخِنَا مَرَّةً بِهَذَا الْخَبَرِ، فَقَالَ: يَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ هَذَا الْخَبَرُ الَّذِي حَلَّ سِجِلَّ السُّخْطَةِ إِلَى سِجِلِّ السُّخْطَةِ، فَهُوَ أَوْلَى وَأَشَدُّ فِي السُّخْطَةِ مِمَّا تَضَمَّنَهُ ـ أَوْ كَمَا قَالَ.

فَتَأَمَّلُوا كَيْفَ اتِّبَاعُ الْهَوَى، وَأَوْلَى أَنْ يَنْتَهِيَ بِصَاحِبِهِ فَشَأْنُ مِثْلِ هَذَا لَا يَحُلُّ أَصْلًا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقِ الْمَذْهَبُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ، لِأَنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ لَا يُبْطِلُونَ الْإِحْبَاسَ هَكَذَا عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَمَنْ حَكَى عَنْهُمْ ذَلِكَ، فَإِمَّا عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>