تَفَرَّقَتْ وَتَشَعَّبَتْ عَلَى مُقْتَضَى أَصْلِ الْبِدَعِ حَتَّى تَحَمَّلَتْ تِلْكَ الْعِدَّةُ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَعَلَّهُ لَمْ يَدْخُلْ فِي الْوُجُودِ إِلَى الْآنِ.
قَالَ: وَإِنَّمَا أَرَادُوا أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ لَا تَكَادُ تُوجَدُ إِلَّا فِي هَذِهِ الْفِرَقِ الْأَرْبَعِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْبِدْعَةُ الثَّانِيَةُ فَرْعًا لِلْأُولَى وَلَا شُعْبَةً مِنْ شُعَبِهَا، بَلْ هِيَ بِدْعَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا لَيْسَتْ مِنَ الْأُولَى بِسَبِيلٍ.
ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ بِالْمِثَالِ بِأَنَّ التَّقْدِيرَ أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْبِدَعِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُهُ فِي مَسَائِلَ مِنْ شُعَبِ الْقَدَرِ، وَفِي مَسَائِلَ لَا تَعَلُّقَ لَهَا بِالْقَدَرِ، فَجَمِيعُهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَعَالَى.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي فَرْعٍ مِنْ فُرُوعِ الْقَدَرِ. فَقَالَ أَكْثَرُهُمْ: لَا يَكُونُ فِعْلٌ بَيْنَ فِعْلَيْنِ مَخْلُوقَيْنِ عَلَى التَّوَلُّدِ، وَأَحَالَ مِثْلَهُ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا لَا يَعُودُ إِلَى الْقَدَرِ فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ. كَاخْتِلَافِهِمْ فِي الصَّلَاحِ وَالْأَصْلَحِ: فَقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ مِنْهُمْ: يَجِبُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى فِعْلُ الصَّلَاحِ لِعِبَادِهِ فِي دِينِهِمْ.
وَيَجِبُ عَلَيْهِ ابْتِدَاءَ الْخَلْقِ الَّذِينَ عَلِمَ أَنَّهُ يُكَلِّفُهُمْ. وَيَجِبُ عَلَيْهِ إِكْمَالُ عُقُولِهِمْ وَأَقْدَارِهِمْ وَإِزَاحَةُ عِلَلِهِمْ.
وَقَالَ الْبَصْرِيُّونَ مِنْهُمْ: لَا يَجِبُ عَلَى اللَّهِ إِكْمَالُ عُقُولِهِمْ وَلَا أَنْ يُؤْتِيَهُمْ أَسْبَابَ التَّكْلِيفِ.
وَقَالَ الْبَغْدَادِيُّونَ مِنْهُمْ: يَجِبُ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى عَنْ قَوْلِهِمْ - عِقَابُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute