للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَمْرَانِ اللَّذَانِ عَرَّفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِمَا فِي الْخَوَارِجِ مِنْ أَنَّهُمْ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، وَأَنَّهُمْ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ، فَإِنَّهُمْ أَخَذُوا أَنْفُسَهُمْ بِقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَإِقْرَائِهِ حَتَّى ابْتَدَعُوا فِيهِ ثُمَّ لَمْ يَتَفَقَّهُوا فِيهِ، وَلَا عَرَفُوا مَقَاصِدَهُ. وَلِذَلِكَ طَرَحُوا كُتُبَ الْعُلَمَاءِ وَسَمَّوْهَا كُتُبَ الرَّأْيِ وَخَرَقُوهَا وَمَزَّقُوا أُدُمَهَا، مَعَ أَنَّ الْفُقَهَاءَ هُمُ الَّذِينَ بَيَّنُوا فِي كُتُبِهِمْ مَعَانِيَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَنْبَغِي، وَأَخَذُوا فِي قِتَالِ أَهْلِ الْإِسْلَامِ بِتَأْوِيلٍ فَاسِدٍ، زَعَمُوا عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ مُجَسِّمُونَ وَأَنَّهُمْ غَيْرُ مُوَحِّدِينَ، وَتَرَكُوا الِانْفِرَادَ بِقِتَالِ أَهْلِ الْكُفْرِ مِنَ النَّصَارَى وَالْمُجَاوِرِينَ لَهُمْ وَغَيْرِهِمْ.

فَقَدِ اشْتُهِرَ فِي الْأَخْبَارِ وَالْآثَارِ مَا كَانَ مِنْ خُرُوجِهِمْ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَعَلَى مَنْ بَعْدَهُ كَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ رَحِمَهُ اللَّهُ وَغَيْرِهِمْ، حَتَّى لَقَدْ رُوِيَ فِي حَدِيثٍ خَرَّجَهُ الْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ «أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ قُرْطٍ غَزَا فَمَكَثَ فِي غَزَاتِهِ تِلْكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، ثُمَّ رَجَعَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ مُنْذُ زَمَانٍ فَقَصَدَ نَحْوَ الْأَذَانِ يُرِيدُ الصَّلَاةَ فَإِذَا هُوَ بِالْأَزَارَقَةِ - صِنْفٌ مِنَ الْخَوَارِجِ - فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مَا جَاءَ بِكَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ؟ قَالَ: مَا أَنْتُمْ يَا إِخْوَتِي؟ قَالُوا: أَنْتَ أَخُو الشَّيْطَانِ، لَنَقْتُلَنَّكَ. قَالَ. مَا تَرْضَوْنَ مِنِّي بِمَا رَضِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالُوا: وَأَيُّ شَيْءٍ رَضِيَ بِهِ مِنْكَ؟ قَالَ: أَتَيْتُهُ وَأَنَا كَافِرٌ فَشَهِدْتُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ فَخَلَّى عَنِّي - قَالَ - فَأَخَذُوهُ فَقَتَلُوهُ».

وَأَمَّا عَدَمُ فَهْمِهِمْ لِلْقُرْآنِ فَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهُ، وَقَدْ جَاءَ فِي الْقَدَرِيَّةِ حَدِيثٌ خَرَّجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَمْرٍو - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْقَدَرِيَّةُ مَجُوسُ هَذِهِ الْأُمَّةِ، إِنْ مَرِضُوا فَلَا تَعُودُوهُمْ، وَإِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>