هِيَ الَّتِي نَبَّهَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ} [آل عمران: ٧] الْآيَةَ. فَبَيَّنَتِ الْآيَةُ أَنَّ أَهْلَ الزَّيْغِ يَتَّبِعُونَ مُتَشَابِهَاتِ الْقُرْآنِ، وَجَعَلُوا مِمَّنْ شَأْنُهُ أَنْ يَتَّبِعَ الْمُتَشَابِهَ لَا الْمُحْكَمَ. وَمَعْنَى الْمُتَشَابِهِ: مَا أُشْكِلَ مَعْنَاهُ، وَلَمْ يُبَيَّنْ مَغْزَاهُ، سَوَاءً كَانَ مِنَ الْمُتَشَابِهِ الْحَقِيقِيِّ - كَالْمُجْمَلِ مِنَ الْأَلْفَاظِ وَمَا يَظْهَرُ مِنَ التَّشْبِيهِ - أَوْ مِنَ الْمُتَشَابِهِ الْإِضَافِيِّ، وَهُوَ مَا يَحْتَاجُ فِي بَيَانِ مَعْنَاهُ الْحَقِيقِيِّ إِلَى دَلِيلٍ خَارِجِيٍّ، وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِهِ ظَاهِرَ الْمَعْنَى لِبَادِي الرَّأْيِ، كَاسْتِشْهَادِ الْخَوَارِجِ عَلَى إِبْطَالِ التَّحْكِيمِ بِقَوْلِهِ: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام: ٥٧] فَإِنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ صَحِيحٌ عَلَى الْجُمْلَةِ، وَأَمَّا عَلَى التَّفْصِيلِ فَمُحْتَاجٌ إِلَى الْبَيَانِ، وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ لِابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -، لِأَنَّهُ بَيَّنَ أَنَّ الْحُكْمَ لِلَّهِ تَارَةً بِغَيْرِ تَحْكِيمٍ لِأَنَّهُ إِذَا أَمَرَنَا بِالتَّحْكِيمِ فَالْحُكْمُ بِهِ حُكْمُ اللَّهِ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُمْ: " قَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ " فَإِنَّهُمْ حَصَرُوا التَّحْكِيمَ فِي الْقِسْمَيْنِ وَتَرَكُوا قِسْمًا ثَالِثًا وَهُوَ الَّذِي نَبَّهَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} [الحجرات: ٩] الْآيَةَ. فَهَذَا قِتَالٌ مِنْ غَيْرِ سَبْيٍ، لَكِنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ نَبَّهَهُمْ عَلَى وَجْهٍ أَظْهَرَ وَهُوَ أَنَّ السِّبَاءَ إِذَا حَصَلَ فَلَابُدَّ مِنْ وُقُوعِ بَعْضِ الْمُقَاتِلِينَ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ، وَعِنْدَ ذَلِكَ يَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمُ السَّبَايَا فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا كَالسَّبَايَا، فَيُخَالِفُونَ الْقُرْآنَ الَّذِي ادَّعَوُا التَّمَسُّكَ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute